" صفحة رقم ١٢٤ "
فإن قلت : كيف أسلوب قوله :) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُمْ ( ؟ قلت : هو إخبار مقيد بالشرط، وفيه وجهان، أحدهما : أن يكون كلاماً مستأنفاً فيه معنى التعجب، كأنهم قالوا : ما أكذبنا على الله إن عدنا في الكفر بعد الإسلام. لأنّ المرتد أبلغ في الافتراء من الكافر، لأنّ الكافر مفتر على الله الكذب. حيث يزعم أن لله نداً ولا ندّ له. والمرتدّ مثله في ذلك وزائد عليه، حيث يزعم أنه قد تبين له ما خفي عليه من التمييز بين الحق والباطل. والثاني : أن يكون قسماً على تقدير حذف اللام، بمعنى : والله لقد افترينا على الله كذباً.
) وَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِى دَارِهِمْ جَاثِمِينَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ ( ٧ )
الأعراف :( ٩٠ - ٩٢ ) وقال الملأ الذين.....
) وَقَالَ الْمَلاَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ ( أي أشرافهم للذين دونهم يثبطونهم عن الإيمان ) لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ( لاستبدالكم الضلالة بالهدى، كقوله تعالى :) أُوْلَائِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ ( ( البقرة : ١٦ ) وقيل : تخسرون باتباعه فوائد البخس والتطفيف لأنه ينهاكم عنهما ويحملكم على الإيفاء والتسوية، فإن قلت : ما جواب القسم الذي وطأته اللام في ) لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا ( وجواب الشرط ؟ قلت : قوله :) إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ( سادّ مسدّ الجوابين ) الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا ( مبتدأ خبره ) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ( وكذلك ) كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ ( وفي هذا الابتداء معنى الاختصاص، كأنه قيل : الذين كذبوا شعيباً هم المخصوصون بأن أهلكوا واستؤصلوا، كأن لم يقيموا في دارهم ؛ لأنّ الذين كذبوا شعيباً قد أنجاهم الله، الذين اتبعوا شعيباً هم المخصوصون بالخسران العظيم، دون أتباعه فإنهم الرابحون. وفي هذا الاستئناف والابتداء وهذا التكرير : مبالغة في ردّ مقالة الملإ لأشياعهم، وتسفيه لرأيهم، واستهزاء بنصحهم لقومهم واستعظام لما جرى عليهم.
) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ ياقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (
الأعراف :( ٩٣ ) فتولى عنهم وقال.....
الأسى : شدّة الحزن. قال العَجَّاجُ : وَانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ مِنْ فَرْطِ الأَسَى ;
اشتدّ حزنه على قومه ثم أنكر على نفسه فقال : فكيف يشتدّ حزني على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم لكفرهم واستحقاقهم ما نزل بهم ويجوز أن يريد لقد أعذرت إليكم في الإبلاغ والنصيحة والتحذير مما حلّ بكم فلم تسمعوا قولي ولم تصدّقوني فكيف آسي