" صفحة رقم ٢٠٦ "
ليس بحق، كتعليقه بالمحال في قولك : إن كان الباطل حقاً، فأمطر علينا حجارة. وقوله :) هُوَ الْحَقُّ ( تهكم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين : هذا هو الحق. وقرأ الأعمش ) هُوَ الْحَقُّ ( بالرفع، على أن هو مبتدأ غير فصل. وهو في القراءة الأولى فصل. ويقال : أمطرت السماء، كقولك أنجمت وأسبلت ومطرت، كقولك : هتنت وهتلت، وقد كثر الأمطار في معنى العذاب. فإن قلت : ما فائدة قوله :) مّنَ السَّمَاء ( ؟ والأمطار لا تكون إلا منها. قلت : كأنه يريد أن يقال : فأمطر علينا السجيل وهي الحجارة المسوّمة للعذاب، فوضع ) حِجَارَةً مّنَ السَّمَاء ( موضع السجيل، كما تقول : صب عليه مسرودة من حديد، تريد درعاً ) بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( أي بنوع آخر من جنس العذاب الأليم، يعني أن أمطار السجيل بعض العذاب الأليم، فعذبنا به أو بنوع آخر من أنواعه. وعن معاوية أنه قال لرجل من سبإ : ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة ا قال : أجهل من قومي قومك قالوا لرسول الله ( ﷺ ) حين دعاهم إلى الحق ) إِن كَانَ هَاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً ( ولم يقولوا : إن كان هذا هو الحق فاهدنا له. اللام لتأكيد النفي، والدلالة على أنّ تعذيبهم وأنت بين أظهرهم غير مستقيم في الحكمة ؛ لأن عادة الله وقضية حكمته أن لا يعذب قوماً عذاب استئصال ما دام نبيهم بين أظهرهم وفيه إشعار بأنهم مرصودون بالعذاب إذا هاجر عنهم. والدليل على هذا الإشعار قوله :) وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ اللَّهُ ( وإنما يصح هذا بعد إثبات التعذيب، كأنه قال : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وهو معذبهم إذا فارقتهم، وما لهم أن لا يعذبهم ) وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ( في موضع الحال. ومعناه نفي الاستغفار عنهم : أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم، كقوله :) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ( ( هود : ١١٧ ) ولكنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون، ولا يتوقع ذلك منهم. وقيل معناه وما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر، وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف عن رسول الله ( ﷺ ) من المستضعفين، ) وَمَا لَهُمْ أَن لا يُعَذّبْهُمُ اللَّهُ ( وأي شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم، يعني : لا حظّ لهم في ذلك وهم معذبون لا محالة. وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدّون عن المسجد الحرام كما صدّوا رسول الله ( ﷺ ) عام الحديبية، وإخراجهم رسول الله ( ﷺ ) والمؤمنين من الصدّ، وكانوا يقولون : نحن ولاة البيت والحرم فنصدّ من نشاء وندخل من نشاء ) مَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ ( وما استحقوا مع إشراكهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمره وأربابه ) إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ ( من المسلمين ليس كل مسلم أيضاً ممن يصلح لأن يلي أمره، إنما يستأهل ولايته


الصفحة التالية
Icon