" صفحة رقم ٢٣ "
ْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ ( من تدعون. ثم بكتهم بقوله :) أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ ( بمعنى أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرّ، أم تدعون الله دونها ) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ ( بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة ) فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ ( أي ما تدعون إلى كشفه ) إِن شَاء ( إن أراد أن يتفضل عليكم ولم يكن مفسدة ) وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ( وتتركون آلهتكم أو لا تذكرونها في ذلك الوقت : لأن أذهانكم في ذلك الوقت مغمورة بذكر ربكم وحده، إذ هو القادر على كشف الضرّ دون غيره، ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله :) أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ ( كأنه قيل : أغير الله تدعون إن أتاكم عذاب الله. فإن قلت : إن علقت الشرط به فما تصنع بقوله :) فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ ( مع قوله :) أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ ( وقوارع الساعة لا تكشف عن المشركين ؟ قلت : قد اشترط في الكشف المشيئة، وهو قوله :) إِن شَاء ( إيذاناً بأنه إن فعل كان له وجه من الحكمة، إلا أنه لا يفعل لوجه آخر من الحكمة أرجح منه.
) وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَاكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُواْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (
الأنعام :( ٤٢ ) ولقد أرسلنا إلى.....
البأساء، والضراء : البؤس، والضر. وقيل : البأساء : القحط والجوع. والضراء : المرض ونقصان الأموال والأنفس. والمعنى : ولقد أرسلنا إليهم الرسل فكذبوهم فأخذناهم ) لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ( يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون عن ذنوبهم ) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ ( معناه : نفي التّضرع، كأنه قيل : فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا. ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم ) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ ( من البأساء والضراء : أي تركوا الاتعاظ به ولم ينفع فيهم ولم يزجرهم ) فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء ( من الصحة والسعة وصنوف النعمة، ليزاوج عليهم بين نوبتي الضراء والسراء، كما يفعل الأب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه أخرى، طلباً لصلاحه ) حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ ( من الخير والنعم، لم


الصفحة التالية
Icon