" صفحة رقم ٢٦٦ "
) إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ( إلاّ إحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما هي حسن العواقب، وهما النصرة والشهادة ) وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ ( إحدى السوأتين من العواقب، إمّا ) أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مّنْ عِندِهِ ( وهو قارعة من السماء كما نزلت على عاد وثمود ) أَوْ ( بعذاب ) بِأَيْدِينَا ( وهو القتل على الكفر ) فَتَرَبَّصُواْ ( بنا ما ذكرنا من عواقبنا ) إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبّصُونَ ( ما هو عاقبتكم، فلا بدّ أن يلقي كلنا ما يتربصه لا يتجاوزه.
) قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (
التوبة :( ٥٣ ) قل أنفقوا طوعا.....
) أَنفَقُواْ ( يعني في سبيل الله ووجوه البر ) طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ( نصب على الحال، أي طائعين أو مكرهين. فإن قلت : كيف أمرهم بالإنفاق ثم قال :) لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ ( ؟ قلت : هو أمر في معنى الخبر، كقوله تبارك وتعالى :) قُلْ مَن كَانَ فِى الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَانُ مَدّاً ( ( مريم : ٧٥ ) ومعناه : لن يتقبل منكم أنفقتم طوعاً أو كرهاً. ونحوه قوله تعالى :) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ( ( التوبة : ٨٠ ) وقوله :
أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لاَ مَلُومَةً
أي لن يغفر الله لهم، استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، ولا نلومك أسأت إلينا أم أحسنت. فإن قلت : متى يجوز نحو هذا ؟ قلت : إذا دلّ الكلام عليه كما جاز عكسه في قولك : رحم الله زيداً وغفر له، فإن قلت : لم فعل ذلك ؟ قلت : لنكته فيه، وهي أنّ كثيراً كأنه يقول لعزة : امتحني لطف محلك عندي وقوّة محبتي لك، وعامليني بالإساءة. والإحسان، وانظري هل يتفاوت حالي معك مسيئة كنت أو محسنة ؟ وفي معناه قول القائل : أَخُوكَ الَّذِي إنْ قُمْتَ بِالسَّيْفِ عَامِدا
لِتَضْرِبَهُ لَمْ يَسْتَفِثَّكَ فِي الْوُدِّ
وكذلك المعنى : أنفقوا وانظروا هل يتقبل منكم ؟ واستغفر لهم أو لا تستغفر لهم، وانظر هل ترى اختلافاً بين حال الاستغفار وتركه ؟ فإن قلت : ما الغرض في نفي التقبل ؟ أهو ترك رسول الله ( ﷺ ) تقبله منهم وردّه عليهم ما يبذلون منه ؟ أم هو كونه غير مقبول عند الله تعالى ذاهباً هباء لا ثواب له ؟ قلت : يحتمل الأمرين جميعاً. وقوله :) طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ( معناه طائعين من غير إلزام من الله ورسوله، أو ملزمين. وسمي الإلزام إكراهاً، لأنهم