" صفحة رقم ٣٦٩ "
ُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنفُسِهِمْ إِنِّى إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (
هود :( ٢٨ ) قال يا قوم.....
) أَرَءيْتُمْ ( أخبروني ) إِن كُنتُ عَلَى بَيّنَةٍ ( على برهان ) مّن رَّبّى ( وشاهد منه يشهد بصحة دعواي ) قَالَ ياقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن ( بإيتاء البينة على أن البينة في نفسها هي الرحمة، ويجوز أن يريد بالبينة : المعجزة، وبالرحمة : النبوّة. فإن قلت : فقوله :) فَعُمّيَتْ ( ظاهر على الوجه الأوّل، فما وجهه على الوجه الثاني ؟ وحقه أن يقال فعميتا ؟ قلت : الوجه أن يقدّر فعميت بعد البينة، وأن يكون حذفه للاقتصار على ذكره مرة : ومعنى عميت خفيت. وقرىء :( فعميت ) بمعنى أخفيت. وفي قراءة أبي ( فعماها عليكم ) فإن قلت : فما حقيقته ؟ قلت : حقيقته أن الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة جعلت عمياء، لأنّ الأعمى لا يهتدي ولا يهدي غيره، فمعنى فعميت عليكم البينة فلم تهدكم، كما لو عمى على القول دليلهم في المفازة بقوا بغير هاد. فإن قلت : فما معنى قراءة أبي ؟ قلت : المعنى أنهم صمموا على الإعراض عنها فخلاهم الله وتصميمهم، فجعلت تلك التخلية تعمية منه، والدليل عليه قوله :) أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ( يعني أنكرهكم على قبولها ونقسركم على الاهتداء بها، وأنتم تكرهونها ولا تختارونها، ولا إكراه في الدين ؟ وقد جيء بضميري المفعولين متصلين جميعاً. ويجوز أن يكون الثاني منفصلاً كقولك : أنلزمكم إياها. ونحوه ) فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ( ويجوز : فسيكفيك إياهم. وحكي عن أبي عمرو إسكان الميم. ووجهه أنّ الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة، فظنها الراوي سكوناً. والإسكان الصريح لحن عند الخليل وسيبويه وحذاق البصريين ؛ لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا في ضرورة الشعر. والضمير في قوله :) لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ ( راجع إلى قوله لهم :) إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ ( ( هود : ٢٥ ). وقرىء :( وما أنا بطارد الذين آمنوا ) بالتنوين على الأصل. فإن قلت : ما معنى قوله :) أَنَّهُمْ بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ ( ؟ قلت : معناه أنهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم. أو يلاقونه فيجازيهم على ما في قلوبهم من إيمان صحيح ثابت، كما ظهر لي منهم وما أعرف غيره منهم. أو على خلاف ذلك مما تقرفونهم به من بناء إيمانهم على بادىء الرأي من غير نظر وتفكر. وما علي أن أشق عن قلوبهم وأتعرّف سر ذلك منهم حتى أطردهم إن كان الأمر كما تزعمون. ونحوه ) وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ( الآية ( الأنعام : ٥٢ )، أو هم مصدقون بلقاء ربهم موقنون به عالمون أنهم ملاقوه لا محالة ) تَجْهَلُونَ ( تتسافهون على المؤمنين وتدعونهم أراذل : من قوله :