" صفحة رقم ٤٩٩ "
أن يلجئهم إلى الإيمان، وهو قادر على الالجاء لولا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار. ويعضده قوله :) أَفَلَمْ يَاْيْئَسِ الَّذِينَ ءامَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ ( يعني مشيئة الإلجاء والقسر ) لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ( ومعنى ) أَفَلَمْ ( أفلم يعلم. قيل : هي لغة قوم من النخع. وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه ؛ لأنّ اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك لتضمن ذلك. قال سحيم بن وثيل الرياحي : أَقُولُ لَهُمْ بالشِّعْبِ إذْ يَيْسُرُونَنِي
أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ
ويدل عليه أن علياً وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين قرؤا :( أفلم يتبين ) وهو تفسير ( أفلم ييئس ) وقيل : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوى السينات، وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتاً بين دفتي الإمام. وكان متقلباً في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهيمنين عليه لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصاً عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، وهذه والله فرية ما فيها مرية. ويجوز أن يتعلق ) ءامَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء ( بآمنوا، على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ولهداهم ) تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ ( من كفرهم وسوء أعمالهم ) قَارِعَةٌ ( داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في نفوسهم وأولادهم وأموالهم ) أَوْ تَحُلُّ ( القارعة ) قَرِيبًا ( منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شرارها، ويتعدى إليهم شرورها ) حَتَّى يَأْتِىَ وَعْدُ اللَّهِ ( وهو موتهم، أو القيامة. وقيل : ولا يزال كفار مكة تصيبهم بما صنعوا برسول الله ( ﷺ ) من العداوة والتكذيب قارعة ؛ لأنّ رسول الله ( ﷺ ) كان لا يزال يبعث السرايا فتغير حول مكة وتختطف منهم، وتصيب من مواشيهم. أو تحل أنت يا محمد قريباً من دارهم بجيشك، كما حل بالحديبية، حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة، وكان الله قد وعده ذلك.
) وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (
الرعد :( ٣٢ ) ولقد استهزئ برسل.....
الإملاء : الإمهال، وأن يترك ملاوة من الزمان في خفض وأمن، كالبهيمة يملي لها في المرعى وهذا وعيد لهم وجواب عن اقتراحهم الآيات على رسول الله ( ﷺ ) استهزاء به وتسلية له.