" صفحة رقم ٥٥٥ "
هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (
النحل :( ٣ ) خلق السماوات والأرض.....
ثم دلّ على وحدانيته وأنه لا إله إلا هو بما ذكر، مما لا يقدر عليه غيره من خلق السموات والأرض وخلق الإنسان وما يصلحه، ومالا بدّ له من خلق البهائم لأكله وركوبه وجرّ أثقاله وسائر حاجاته، وخلق ما لا يعلمون من أصناف خلائقه، ومثله متعال عن أن يشرك به غيره. وقرىء :( تشركون )، بالتاء والياء ) فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( فيه معنيان، أحدهما : فإذا هو منطيق مجادل عن نفسه مكافح للخصوم مبين للحجة، بعد ما كان نطفة من منيّ جماداً لا حس به ولا حركة، دلالة على قدرته. والثاني : فإذا هو خصيم لربه، منكر على خالقه، قائل : من يحيي العظام وهي رميم، وصفاً للإنسان بالإفراط في الوقاحة والجهل، والتمادي في كفران النعمة. وقيل نزلت في أبيّ بن خلف الجمحي حين جاء بالعظم الرميم إلى النبي ( ﷺ ) فقال : يا محمد، أترى الله يحيي هذا بعدما قد رمّ ؟
) وَالاٌّ نْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (
النحل :( ٥ ) والأنعام خلقها لكم.....
) الاْنْعَامِ ( الأزواج الثمانية، وأكثر ما تقع على الإبل، وانتصابها بمضمر يفسره الظاهر، كقوله :) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ ( ( يس : ٣٩ ) ويجوز أن يعطف على الإنسان، أي : خلق الإنسان والأنعام، ثم قال :) خَلَقَهَا لَكُمْ ( أي ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جنس الإنسان والدفء : اسم ما يدفأ به، كما أنّ الملء اسم ما يملأ به، وهو الدفاء من لباس معمول من صوف أو وبر أو شعر. وقرىء :( دفّ )، بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الفاء ) وَمَنَافِعُ ( هي نسلها ودرّها وغير ذلك. فإن قلت : تقديم الظرف في قوله ) وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ( مؤذن بالاختصاص، وقد يؤكل من غيرها. قلت : الأكل منها هو الأصل الذي يعتمده الناس في معايشهم. وأما الأكل من غيرها من الدجاج والبط وصيد البر والبحر فكغير المعتدّ به وكالجاري مجرى التفكه، ويحتمل أن طعمتكم منها، لأنكم تحرثون بالبقر فالحبّ والثمار التي تأكلونها منها وتكتسبون بإكراء الإبل وتبيعون نتاجها وألبانها وجلودها.
) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (
النحل :( ٦ ) ولكم فيها جمال.....
منّ اللَّه بالتجمل بها كما منّ بالانتفاع بها، لأنه من أغراض أصحاب المواشي، بل هو من معاظمها ؛ لأنّ الرعيان إذا روّحوها بالعشي وسرحوها بالغداة فزينت بإراحتها