" صفحة رقم ٥٨٥ "
) شَهِيداً ( نبيهاً يشهد لهم وعليهم بالإيمان والتصديق، والكفر والتكذيب ) ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ( في الاعتذار. والمعنى لا حجة لهم، فدل بترك الإذن على أن لا حجة لهم ولا عذر، وكذا عن الحسن ) وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( ولا هم يسترضون، أي : لا يقال لهم أرضوا ربكم ؛ لأن الآخرة ليست بدار عمل. فإن قلت : فما معنى ثم هذه ؟ قلت : معناها أنهم يمنون بعد شهادة الأنبياء بما هو أطم منها، وهو أنهم يمنعون الكلام فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة. وانتصاب اليوم بمحذوف تقديره : واذكر يوم نبعث، أو يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه، وكذلك إذا رأوا العذاب بغتهم وثقل عليهم ) فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ( كقوله ) بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ ( ( الأنبياء : ٤٠ ) الآية.
) وَإِذَا رَءَا الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَآءَهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَاؤُلآءِ شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (
النحل :( ٨٦ ) وإذا رأى الذين.....
إن أرادوا بالشركاء آلهتهم، فمعنى ) شُرَكَآؤُنَا ( آلهتنا التي دعوناها شركاء. وإن أرادوا الشياطين، فلأنهم شركاؤهم في الكفر وقرناؤهم في الغيّ : و ) ندعو ( بمعنى نعبد. فإن قلت : لم قالوا :) الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ( وكانوا يعبدونهم على الصحة ؟ قلت : لما كانوا غير راضين بعبادتهم فكأن عبادتهم لم تكن عبادة. والدليل عليه قول الملائكة ) كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنَّ ( ( سبأ : ٤١ ) يعنون أن الجن كانوا راضين بعبادتهم لا نحن، فهم المعبودون دوننا. أو كذبوهم في تسميتهم شركاء وآلهة تنزيها لله من الشريك. وإن أريد بالشركاء الشياطين، جاز أن يكون ( كاذبين ) في قولهم ) إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ( كما يقول الشيطان : إني كفرت بما أشركتموني من قبل ) وَأَلْقَوْاْ ( يعني الذين ظلموا. وإلقاء السلم : الاستسلام لأمر الله وحكمه بعد الإباء والاستكبار في الدنيا ) وَضَلَّ عَنْهُم ( وبطل عنهم ) مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ( من أن لله شركاء، وأنهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرؤا منهم.
) الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ (
النحل :( ٨٨ ) الذين كفروا وصدوا.....
) الَّذِينَ كَفَرُواْ ( في أنفسهم، وحملوا غيرهم على الكفر : يضاعف الله عقابهم كما ضاعفوا كفرهم. وقيل في زيادة عذابهم حيات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال تلسع إحداهن اللسعة فيجد صاحبها حمتها أربعين خريفاً. وقيل : يخرجون من النار إلى الزمهرير فيبادرون من شدة برده إلى النار ) بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ ( بكونهم مفسدين الناس بصدّهم عن سبيل الله.
) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَاؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ