" صفحة رقم ١٢٧ "
وأطل عليه نمروذ من الصرح فإذا هو في روضة ومعه جليس له من الملائكة، فقال : إني مقرّب إلى إلاهك، فذبح أربعة آلاف بقرة وكفّ عن إبراهيم، وكان إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه إذ ذاك ابن ست عشرة سنة. واختاروا المعاقبة بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظعه، ولذلك جاء :
( ٦٩٧ ) ( لا يعذب بالنار إلا خالقها ) ومن ثم قالوا :) إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ( أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصراً مؤزراً، فاختاروا له أهول المعاقبات وهي الإحراق بالنار، وإلا فرّطتم في نصرتها. ولهذا عظموا النار وتكلفوا في تشهير أمرها وتفخيم شأنها، ولم يألوا جهداً في ذلك. جعلت النار لمطاوعتها فعل الله وإرادته كمأمور أمر بشيء فامتثله. والمعنى : ذات برد وسلام، فبولغ في ذلك، كأن ذاتها برد وسلام. والمراد : ابردي فيسلم منك إبراهيم. أو ابردي برداً غير ضارّ. وعن ابن عباس رضي الله عنه : لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها. فإن قلت : كيف بردت النار وهي نار ؟ قلت : نزع الله عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحرّ والإحراق، وأبقاها على الإضاءة والاشتعال كما كانت، والله على كل شيء قدير. ويجوز أن يدفع بقدرته عن جسم إبراهيم عليه السلام أذى حرّها ويذيقه فيها عكس ذلك، كما يفعل بخزنة جهنم، ويدل عليه قوله :) عَلَى إِبْراهِيمَ ( وأرادوا أن يكيدوه ويمكروا به، فما كانوا إلا مغلوبين مقهورين غالبون بالجدال فغلبه الله ولقنه بالمبكت، وفزعوا إلى القوّة والجبروت، فنصره وقوّاه.
) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الاٌّ رْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (
الأنبياء :( ٧١ ) ونجيناه ولوطا إلى.....
نجيا من العراق إلى الشام. وبركاته الواصلة إلى العالمين : أن أكثر الأنبياء عليهم السلام بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرائعهم وآثارهم الدينية وهي البركات الحقيقية. وقيل : بارك الله فيه بكثرة الماء والشجر والثمر والخصب وطيب عيش الغنيّ والفقير. وعن سفيان أنه خرج إلى الشام فقيل له : إلى أين ؟ فقال : إلى بلد يملأ فيه الجراب بدرهم. وقيل : ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التي ببيت المقدس وروي : أنه نزل بفلسطين، ولوط بالمؤتفكة وبينهما مسيرة يوم وليلة.
) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ ( ٧ )
الأنبياء :( ٧٢ ) ووهبنا له إسحاق.....