" صفحة رقم ١٣٥ "
الجماعة الشيء ويتقسمونه، فيطير لهذا نصيب ولذاك نصيب، تمثيلاً لاختلافهم فيه، وصيرورتهم فرقاً وأحزاباً شتى. ثم توعدهم بأنّ هؤلاء الفرق المختلفة إليه يرجعون، فهو محاسبهم ومجازيهم.
) فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (
الأنبياء :( ٩٤ ) فمن يعمل من.....
الكفران : مثل في حرمان الثواب، كما أن الشكر مثل في إعطائه إذا قيل لله : شكور. وقد نفى نفي الجنس ليكون أبلغ من أن يقول : فلا نكفر سعيه ) وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ( أي نحن كاتبو ذلك السعي ومثبتوه في صحيفة عمله، وما نحن مثبتوه فهو غير ضائع ومثاب عليه صاحبه.
) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (
الأنبياء :( ٩٥ ) وحرام على قرية.....
استعير الحرام للممتنع وجوده. ومنه قوله عز وجلّ :) إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ( ( الأعراف : ٥٠ ) أي منعهما منهم، وأبى أن يكونا لهم. وقرىء :( حرم ) و ( حرم )، بالفتح والكسر. وحرّم وحرّم. ومعنى ) أَهْلَكْنَاهَا ( عزمنا على إهلاكها. أو قدّرنا إهلاكها. ومعنى الرجوع : الرجوع من الكفر إلى الإسلام والإنابة ومجاز الآية : أن قوماً عزم الله على إهلاكهم غير متصوّر أن يرجعوا وينيبوا، إلى أن تقوم القيامة فحينئذ يرجعون ويقولون :) كَفَرُواْ ياوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مّنْ هَاذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ( ( الأنبياء : ٩٧ ) يعني : أنهم مطبوع على قلوبهم فلا يزالون على كفرهم ويموتون عليه حتى يروا العذاب. وقرىء :( إنهم ) بالكسر. وحق هذا أن يتمّ الكلام قبله، فلا بدّ من تقدير محذوف، كأنه قيل : وحرام على قررية أهلكناها ذاك. وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح والسعي المشكور غير المكفور، ثم علل فقيل : إنهم لا يرجعون عن الكفر، فكيف لا يمتنع ذلك. والقراءة بالفتح يصح حملها على هذا ؟ أي : لأنهم لا يرجعون ولا صلة على الوجه الأوّل. فإن قلت : بم تعلقت ) حَتَّى ( واقعة غاية له، وآية الثلاث هي ؟ قلت : هي متعلقة بحرام، وهي غاية له لأنّ امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة، وهي ) حَتَّى ( التي يحكى بعدها الكلام، والكلام المحكيّ : الجملة من الشرط والجزاء، أعني :( إذا ) وما في حيزها حذف المضاف إلى ) يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ( وهو سدّهما، كما حذف المضاف إلى القرية وهو أهلها. وقيل : فتحت كما قيل :) أَهْلَكْنَاهَا ( وقرىء ( آجوج ) وهما قبيلتان من جنس الإنس، يقال : الناس عشرة أجزاء، تسعة منها يأجوج ومأجوج ) وَهُمْ ( راجع إلى الناس المسوقين إلى المحشر وقيل : هم يأجوج ومأجوج يخرجون


الصفحة التالية
Icon