" صفحة رقم ١٥٠ "
المفردات المتناسقة الداخلة تحت حكم الفعل، وإنما أرفعه بفعل مضمر يدل عليه قوله :) يَسْجُدُ ( أي ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة. ولم أقل : أفسر يسجد الذي هو ظاهر بمعنى الطاعة والعبادة في حق هؤلاء ؛ لأنّ اللفظ الواحد لا يصحّ استعماله في حالة واحدة على معنيين مختلفين، أو أرفعه على الابتداء والخبر محذوف وهو مثاب، لأنّ خبر مقابله يدل عليه، وهو قوله :) حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ( ويجوز أن يجعل ( من الناس ) خبراً له، أي : من الناس الذين هم الناس على الحقيقة وهم الصالحون والمتقون. ويجوز أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب، فيعطف كثير على كثير، ثم يخبر عنهم بحقّ عليهم العذاب، كأنه قيل : وكثير وكثير من الناس حق عليهم العذاب، وقرىء ( حق ) بالضم. وقرىء :( حقاً ) أي حقّ عليهم العذاب حقاً. ومن أهانه الله بأن كتب عليه الشقاوة لما سبق في علمه من كفره أو فسقه فقد بقي مهانا لن تجد له مكرماً. وقرىء :( مكرم ) بفتح الراء بمعنى الإكرام. إنه ) يَفْعَلُ مَا يَشَاء ( من الإكرام والإهانة ولا يشاء من ذلك إلا ما يقتضيه عمل العاملين واعتقاد المعتقدين.
) هَاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِى رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَآ أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ (
الحج :( ١٩ ) هذان خصمان اختصموا.....
الخصم : صفة وصف بها الفوج أو الفريق، فكأنه قيل : هذان فوجان أو فريقان مختصمان وقوله :) هَاذَانِ ( للفظ. و ) اخْتَصَمُواْ ( للمعنى، كقوله :) وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ ( ( محمد : ١٦ ) ولو قيل : هؤلاء خصمان. أو اختصما : جاز يراد المؤمنون والكافرون. قال ابن عباس رجع إلى أهل الأديان الستة ) فِى رَبّهِمْ ( أي في دينه وصفاته. وروي : أن أهل الكتاب قالوا للمؤمنين : نحن أحق بالله، وأقدم منكم كتاباً، ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون : نحن أحق بالله، آمنا بمحمد، وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسداً، فهذه خصومتهم في ربهم ) فَالَّذِينَ كَفَرُواْ ( هو فصل الخصومة المعنى بقوله تعالى :) إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ( ( الحج : ١٧ ) وفي رواية عن الكسائي :( خصمان ) بالكسر، وقرىء :( قطعت ) بالتخفيف، كأنّ الله تعالى يقدّر لهم نيراناً على مقادير جثثهم تشتمل عليهم كما تقطع الثياب الملبوسة. ويجوز أن تظاهر على كل واحد منهم تلك النيران كالثياب المظاهرة على اللابس بعضها فوق بعض. ونحوه ) سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ ( ( إبراهيم : ٥٠ ). ) الْحَمِيمُ ( الماء الحار عن ابن عباس رضي الله عنه : لو سقطت منه نقطة على


الصفحة التالية
Icon