" صفحة رقم ١٧٣ "
وهذا من أبلغ ما أنزله الله في تجهيل قريش واستركاك عقولهم، والشهادة على أن الشيطان قد خزمهم بخزائمه حيث وصفوا بالإلاهية التي تقتضي الاقتدار على المقدورات كلها، والإحاطة بالمعلومات عن آخرها صوراً وتماثيل يستحيل منها أن تقدر على أقلّ ما خلقه وأذله وأصغره وأحقره، ولو اجتمعوا لذلك وتساندوا. وأدلّ من ذلك على عجزهم وانتفاء قدرتهم : أن هذا الخلق الأقل الأذل لو اختطف منهم شيئاً فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه لم يقدروا. وقوله :) ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ( كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف. ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف، لأن الذباب حيوان، وهو جماد، وهو غالب وذاك مغلوب. وعن ابن عباس : أنهم كانوا يطلونها بالزعفران، ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها الأبواب، فيدخل الذباب من الكوي فيأكله.
) مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ (
الحج :( ٧٤ ) ما قدروا الله.....
) مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ( أي ما عرفوه حق معرفته، حتى لا يسموا باسمه من هو منسلخ عن صفاته بأسرها، ولا يؤهلوه للعبادة، ولا يتخذوه شريكاً له : إن الله قادر غالب، فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيهاً به ؟
) اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الاٍّ مُورُ (
الحج :( ٧٥ ) الله يصطفي من.....
هذا ردّ لما أنكروه من أن يكون الرسول من البشر، وبيان أن رسل الله على ضربين : ملائكة وبشر، ثم ذكر أنه تعالى درّاك للمدركات، عالم بأحوال المكلفين ما مضي منها وما غبر، لا تخفى عليه منهم خافية. وإليه مرجع الأمور كلها، والذي هو بهذه الصفات، لا يسأل عما يفعل، وليس لأحد أن يعترض عليه في حكمه وتدابيره واختيار رسله.
) ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (
الحج :( ٧٧ ) يا أيها الذين.....
للذكر شأن ليس لغيره من الطاعات. وفي هذه السورة دلالات على ذلك، فمن ثمة دعا المؤمنين أولاً إلى الصلاة التي هي ذكر خالص، ثم إلى العبادة بغير الصلاة كالصوم والحجّ والغزو، ثم عمّ بالحثّ على سائر الخيرات. وقيل : كان الناس أوّل ما أسلموا