" صفحة رقم ٢٧٧ "
حكمتي على ابتلاء بعضكم أيها الناس ببعض. والمعنى : أنه أبتلى المرسلين بالمرسل إليهم، وبمناصبتهم لهم العداوة، وأقاويلهم الخارجة عن حدّ الإنصاف، وأنواع أذاهم، وطلب منهم الصبر الجميل، ونحوه ) وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذالِكَ مِنْ عَزْمِ ( ( آل عمران : ١٨٦ ) وموقع ) أَتَصْبِرُونَ ( بعد ذكر الفتنة موقع ) أَيُّكُمْ ( بعد الابتلاء في قوله :) لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ( ( هود : ٢٧ )، ( الملك : ٢ ) ) بَصِيراً ( عالماً بالصواب فيما يبتلي به وغيره فلا يضيقنّ صدرك، ولا يستخفنك أقاويلهم فإن في صبرك عليها سعادتك وفوزك في الدارين. وقيل : هو تسلية له عما عيروه به من الفقر، حين قالوا : أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنة، وأنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء ؛ لينظر : هل يصبرون ؟ وأنها حكمته ومشيئته : يغني من يشاء ويفقر من يشاء. وقيل : جعلناك فتنة لهم ؛ لأنك لو كنت غنياً صاحب كنوز وجنان لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا، أو ممزوجة بالدنيا ؛ فإنما بعثناك فقيراً ليكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي. وقيل : كان أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل ومن في طبقتهم يقولون : إن إسلمنا وقد أسلم قبلنا عمار وصهيب، وبلال وفلان وفلان ترفعوا علينا إدلالاً بالسابقة، فهو افتتان بعضهم ببعض.
) وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً (
الفرقان :( ٢١ ) وقال الذين لا.....
أي لا يأملون لقاءنا بالخير لأنهم كفرة. أو لا يخافون لقاءنا الشر. والرجاء في لغة تهامة : الخوف، وبه فسر قوله تعالى :) لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ( ( نوح : ١٣ ) جعلت الصيرورة إلى دار جزائه بمنزلة لقائه لو كان ملقياً.. اقترحوا من الآيات أن ينزل الله عليهم الملائكة فتخبرهم بأن محمداً صادقاً حتى يصدقوه. أو يروا الله جهرة فيأمرهم بتصديقه واتباعه. ولا يخلو : إما أن يكونوا عالمين بأن الله لا يرسل الملائكة إلى غير الأنبياء، وأن الله لا يصحّ أن يرى. وإنما علقوا عالمين بأن الله لا يكون. وإما أن لا يكونوا عالمين بذلك وإنما أرادوا التعنت باقتراح آيات سوى الآيات التي نزلت وقامت بها الحجة عليهم، كما فعل قوم موسى حين قالوا : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة. فإن قلت : ما معنى ) فِى أَنفُسِهِمْ ( ؟ قلت : معناه أنهم أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعنادفي قلوبهم واعتقدوه. كما قال :) إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ ( ( غافر : ٥٦ ). ) وَعَتَوْا ( وتجاوزوا الحدّ في الظلم. يقال : عتا علينا فلان. وقد وصف العتوّ


الصفحة التالية
Icon