" صفحة رقم ٣٠٩ "
المعنى : إني خائف ضيق الصدر غير منطلق اللسان. قلت : يجوز أن يكون هذا قبل الدعوة واستجابتها، ويجوز أن يريد القدر اليسير الذي بقي به، ويجوز أن لا يكون مع حل العقدة من لسانه من الفصحاء المصاقع الذين أوتوا سلاطة الألسنة وبسطة المقال، وهارون كان بتلك الصفة، فأراد أن يقرن به. ويدل عليه قوله تعالى :) وَأَخِى هَرُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنّى لِسَاناً ( ( القصص : ٣٤ ) ومعنى :) فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ( : أرسل إليه جبريل، واجعله نبياً، وآزرني به، واشدد به عضدي، وهذا كلام مختصر. وقد بسطه في غير هذا الموضع، وقد أحسن في الاختصار حيث قال :) فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ( فجاء بما يتضمن معنى الاستنباء، ومثله في تقصير الطويلة والحسن قوله تعالى :) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً ( ( الفرقان : ٣٦ ) حيث اقتصر على ذكر طرفي القصة أوّلها وآخرها، وهما الإنذار والتدمير، ودلّ بذكرهما على ما هو الغرض من القصة الطويلة كلها، وهو أنهم قوم كذبوا بآيات الله، فأراد الله إلزام الحجة عليهم، فبعث إليهم رسولين فكذبوهما، فأهلكهم. فإن قلت : كيف ساغ لموسى عليه السلام أن يأمره الله بأمر فلا يتقبله بسمع وطاعة من غير توقف وتشبث بعلل، وقد علم أن الله من ورائه ؟ قلت : قد امتثل وتقبل، ولكنه التمس من ربه أن يعضده بأخيه حتى يتعاونا على تنفيذ أمره وتبليغ رسالته، فمهد قبل التماسه عذره فيما التمسه، ثم التمس بعد ذلك، وتمهيد العذر في التماس المعين على تنفيذ الأمر : ليس بتوقف في امتثال الأمر، ولا بتعلل فيه ؛ وكفى بطلب العون دليلاً على التقبل لا على التعلل.
) وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (
الشعراء :( ١٤ ) ولهم علي ذنب.....
أراد بالذنب : قتله القبطي. وقيل : كان خباز فرعون واسمه فاتون. يعني : ولهم عليّ تبعة ذنب، وهي قود ذلك القتل، فأخاف أن يقتلوني به، فحذف المضاف. أو سمي تبعة الذنب ذنباً، كما سمى جزاءُ السيئة سيئة. فإن قلت : قد أبيت أن تكون تلك الثلاث عللاً، وجعلتها تمهيداً للعذر فيما التمسه، فما قولك في هذه الرابعة ؟ قلت : هذه استدفاع للبلية المتوقعة. وفرق من أن يقتل قبل أداء الرسالة، فكيف يكون تعللا. والدليل عليه : ما جاء بعده من كلمة الردع، والموعد بالكلاءة والدفع.
) قَالَ كَلاَّ فَاذْهَبَا بِأايَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبّ


الصفحة التالية
Icon