" صفحة رقم ٣١٠ "
ِ الْعَالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِى فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضَّآلِّينَ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكْماً وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَاءِيلَ (
الشعراء :( ١٥ ) قال كلا فاذهبا.....
جمع الله له الاستجابتين معاً في قوله :) كَلاَّ فَاذْهَبَا ( لأنه استدفعه بلاءهم فوعده الدفع بردعه عن الخوف، والتمس منه الموازرة بأخيه فأجابه بقوله :) اذْهَبَا ( أي اذهب أنت والذي طلبته وهو هارون. فإن قلت : علام عطف قوله :) فَاذْهَبَا ( ؟ قلت : على الفعل الذي يدل عليه ) كَلاَّ ( كأنه قيل : ارتدع يا موسى عما تظنّ، فاذهب أنت وهارون. وقوله :) مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ ( من مجاز الكلام، يريد : أنا لكما ولعدوّكما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه. فأظهركما وأُغلبكما وأكسر شوكته عنكما وأنكسه. ويجوز أن يكونا خبرين لأنّ، أو يكون ) مُّسْتَمِعُونَ ( مستقراً، و ) مَّعَكُمْ ( لغواً. فإن قلت : لم جعلت ) مُّسْتَمِعُونَ ( قرينة ) مَّعَكُمْ ( في كونه من باب المجاز، والله تعالى يوصف على الحقيقة بأنه سميع وسامع ؟ قلت : ولكن لا يوصف بالمستمع على الحقيقة ؛ لأنّ الاستماع جار مجرى الإصغاء، والاستماع من السمع بمنزلة النظر من الرؤية. ومنه قوله تعالى :) قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ الْجِنّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانَاً عَجَباً ( ( الجن : ١ ) ويقال : استمع إلى حديثه وسمع حديثه، أي : أصغى إليه وأدركه بحاسة السمع. ومنه قوله ( ﷺ ) :
( ٧٨٢ ) ( منِ استمعَ إلى حديثِ قومٍ وهم لَه كَارهونَ صُبَّ في أذنيه البِرمُ ). فإن قلت : هلا ثنى الرسول كما ثنى في قوله :) إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ ( ( طه : ٤٧ ) ؟ قلت : الرسول يكون بمعنى المرسل، وبمعنى الرسالة، فجعل ثم بمعنى المرسل فلم يكن بدّ من تثنيته، وجعل ههنا بمعنى الرسالة فجاز التسوية فيه إذا وصف به بين الواحد والتثنية