" صفحة رقم ٣٣٩ "
ناراً فاحترقوا. وروي أنّ شعيباً بعث إلى أمتين : أصحاب مدين، وأصحاب الأيكة، فأهلكت مدين بصيحة جبريل، وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة. فإن قلت : كيف كرّر في هذه السورة في أوّل كل قصة وآخرها ما كرّر ؟ قلت : كل قصة منها كتنزيل برأسه، وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها، فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها، وأن تختتم بما اختتمت به، ولأنّ في التكرير تقريراً للمعاني في الأنفس، وتثبيتاً لها في الصدور. ألا ترى أنه لا طريق إلى تحفظ العلوم إلا ترديد ما يراد تحفظه منها، وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب وأرسخ في الفهم وأثبت للذكر وأبعد من النسيان، ولأنّ هذه القصص طرقت بها آذان وقر عن الإنصات للحق، وقلوب غلف عن تدبره، فكوثرت بالوعظ والتذكير، وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذناً، أو يفتتق ذهناً، أو يصقل عقلاً طال عهده بالصقل، أو يجلو فهما قد غطى عليه تراكم الصدأ.
) وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاٌّ مِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّ مُّبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الاٌّ وَّلِينَ (
الشعراء :( ١٩٢ ) وإنه لتنزيل رب.....
) وَإِنَّهُ ( وإن هذا التنزيل، يعني : ما نزل من هذه القصص والآيات. والمراد بالتنزيل : المنزل. والباء في ) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ ( ونزل به الروح، على القراءتين للتعدية. ومعنى ) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ ( جعل الله الروح نازلاً به ) عَلَى قَلْبِكَ ( أي : حفظكه وفهمك إياه، وأثبته في قلبك إثبات مالاً ينسى، كقوله تعالى :) سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ( ( الأعلى : ٦ ) ) بِلِسَانٍ عَرَبِىّ ( إما أنّ يتعلق بالمنذرين، فيكون المعنى : لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم خمسة : هود، وصالح، وشعيب، وإسمعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام. وإما أن يتعلق بنزل، فيكون المعنى : نزله باللسان العربي لتنذر به ؛ لأنه لو نزله باللسان


الصفحة التالية
Icon