" صفحة رقم ٣٦٩ "
الفتوى : الجواب في الحادثة، اشتقت على طريق الاستعارة من الفتى في السن. والمراد بالفتوى ههنا : الإشارة عليها بما عندهم فيما حدث لها من الرأي والتدبير، وقصدت بالانقطاع إليهم والرجوع إلى استشارتهم واستطلاع آرائهم : استعطافهم وتطييب نفوسهم ليمالئوها ويقوموا معها ) قَاطِعَةً أَمْراً ( فاصلة. وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه :( قاضية ) أي لا أبت أمراً إلا بمحضركم. وقيل : كان أهل مشورتها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً : كل واحد على عشرة آلاف.
) قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالاٌّ مْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ (
النمل :( ٣٣ ) قالوا نحن أولوا.....
أرادوا بالقوة : قوّة الأجساد وقوّة الآلات والعدد. وبالبأس : النجدة والبلاء في الحرب ) وَالاْمْرُ إِلَيْكِ ( أي هو موكول إليك، ونحن مطيعون لك، فمرينا بأمرك نطعك ولا نخالفك كأنهم أشاروا عليها بالقتال. أو أرادوا : نحن من أبناء الحرب لا من أبناء الرأي والمشورة، وأنت ذات الرأي والتدبير، فانظري ماذا ترين : نتبع رأيك.
) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذالِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَانِى اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ ءَاتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (
النمل :( ٣٤ ) قالت إن الملوك.....
لما أحست منهم الميل إلى المحاربة، رأت من الرأي الميل إلى الصلح والابتداء بما هو أحسن، ورتبت الجواب، فزيفت أولاً ما ذكروه وأرتهم الخطأ فيه ب ) إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً ( عنوة وقهراً ) أَفْسَدُوهَا ( أي خرّبوها ومن ثمة قالوا للفساد : الخربة، وأذلوا أعزتها، وأهانوا أشرافها ؛ وقتلوا وأسروا، فذكرت لهم عاقبة الحرب وسوء مغبتها ثم قالت :) وَكَذالِكَ يَفْعَلُونَ ( أرادت : وهذه عادتهم المستمرة الثابتة التي لا تتغير، لأنها كانت في بيت الملك القديم، فسمعت نحو ذلك ورأت، ثم ذكرت بعد ذلك حديث الهدية وما رأت من الرأي السديد. وقيل : هو تصديق من الله لقولها، وقد يتعلق الساعون في الأرض بالفساد بهذه الآية ويجعلونها حجة لأنفسهم. ومن استباح حراماً فقد كفر، فإذا احتج له بالقرآن على وجه التحريف فقد جمع بين كفرين ) مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ( أي مرسلة رسلاً بهدية أصانعه بها عن ملكي ) فَنَاظِرَةٌ ( ما يكون منه حتى أعمل على حسب ذلك، فروي : أنها بعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجواري، وحليهنّ الأساور والأطواق، والقِرَطَة راكبي خيل مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسروج بالذهب المرصع


الصفحة التالية
Icon