" صفحة رقم ٣٧٠ "
بالجواهر، وخمسمائة جارية على رماك في زي الغلمان، وألف لبنة من ذهب وفضة، وتاجاً مكللاً بالدرّ والياقوت المرتفع والمسك والعنبر، وحقاً فيه درّة عذراء، وجزعة معوجة الثقب، وبعثت رجلين من أشراف قومها : المنذر بن عمرو، وآخر ذا رأي وعقل، وقالت : إن كان نبياً ميز بين الغلمان والجواري، وثقب الدرّة ثقباً مستوياً، وسلك في الخرزة خيطاً، ثم قالت للمنذر : إن نظر إليك نظر غضبان فهو ملك ؛ فلا يهولنك، وإن رأيته بشاً لطيفاً فهو نبيّ، فأقبل الهدهد فأخبر سليمان، فأمر الجنّ فضربوا لبن الذهب والفضة، وفرشوه في ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ، وجعلوا حول الميدان حائطاً شرفه من الذهب والفضة، وأمر بأحسن الدواب في البر والبحر فربطوها عن يمين الميدان ويساره على اللبن، وأمر بأولاد الجن وهم خلق كثير فأقيموا عن اليمين واليسار، ثم قعد على سريره والكراسيّ من جانبيه، واصطفت الشياطين صفوفاً فراسخ، والإنس صفوفاً فراسخ، والوحش والسباع والهوام والطيور كذلك، فلما دنا القوم ونظروا : بهتوا، ورأوا الدواب تروث على اللبن، فتقاصرت إليهم نفوسهم ورموا بما معهم، ولما وقفوا بين يديه نظر إليهم بوجه طلق وقال : ما وراءكم ؟ وقال : أين الحقّ ؟ وأخبره جبريل عليه السلام بما فيه فقال لهم : إن فيه كذا وكذا، ثم أمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت فيها، فجعل رزقها في الشجرة. وأخذت دودة بيضاء الخيط بفيها ونفذت فيها، فجعل رزقها في الفواكه. ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها، والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه، ثم رد الهدية وقال للمنذر : ارجع إليهم، فقالت : هو نبيّ وما لنا به طاقة، فشخصت إليه في اثني عشر ألف قيل، تحت كل قيل ألوف. وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه :( فلما جاءوا ) ) أَتُمِدُّونَنِ ( وقرىء : بحذف الياء والاكتفاء بالكسرة بالإدغام، كقوله :) أَتُحَاجُّونّى ( وبنون واحدة : أتمدوني. الهدية : اسم المهدَي ؛ كما أن العطية اسم المعطي، فتضاف إلى المهدي والمهدى إليه، تقول هذه هدية فلان، تريد : هي التي أهداها أو أهديت إليه، والمضاف إليه ههنا هو المهدي إليه. والمعنى : أن ما عندي خير مما عندكم، وذلك أن الله آتاني الدين الذي فيه الحظ الأوفر والغنى الأوسع، وآتاني من الدنيا ما لا يستزاد عليه، فكيف يرضى مثلي بأن يمدّ بمال ويصانع به ) بَلْ أَنتُمْ ( قوم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا ؛ فلذلك ) تَفْرَحُونَ (