" صفحة رقم ٤٥٣ "
بحرف العطف، فلا بد له من معطوف عليه، فما هو ؟ قلت : هو جملة قوله :) أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىء اللَّهُ الْخَلْقَ ( وكذلك : وأستخلفه، معطوف على جملة قوله : ما زلت أوثر فلاناً ) ذالِكَ ( يرجع إلى ما يرجع إليه هو في قوله :) وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ( ( الروم : ٢٧ ) من معنى يعيد. دل بقوله ) النَّشْأَةَ الاْخِرَةَ ( على أنهما نشأتان، وأن كل واحدة منهما إنشاء، أي : ابتداء واختراع، وإخراج من العدم إلى الوجود، لا تفاوت بينهما إلا أن الآخر إنشاء بعد إنشاء مثله، والأولى ليست كذلك. وقرىء ( النشأة ) و ( النشاءة ) كالرأفة والرآفة، فإن قلت : ما معنى الإفصاح باسمه مع إيقاعه مبتدأ في قوله :) ثُمَّ اللَّهُ يُنشِىء النَّشْأَةَ الاْخِرَةَ ( بعد إضماره في قوله : كيف بدأ الخلق ؟ وكان القياس أن يقال : كيف بدأ الله الخلق ثم ينشىء النشأة الآخرة ؟ قلت : الكلام معهم كان واقعاً في الإعادة، وفيها كانت تصطك الركب، فلما قرّرهم في الإبداء بأنه من الله، احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الإبداء، فإذا كان الله الذي لا يعجزه شيء هو الذي لم يعجزه الإبداء، فهو الذي وجب أن لا تعجزه الإعاة، فكأنه قال : ثم ذاك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشىء النشأة الآخرة، فللدلالة والتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ ) يُعَذّبُ مَن يَشَاء ( تعذيبه ) وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء ( رحمته، ومتعلق المشيئتين مفسر مبين في مواضع من القرآن وهو من يستوجبهما من الكافر والفاسق إذا لم يتوبا، ومن المعصوم والتائب ) تُقْلَبُونَ ( تردون وترجعون ) وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ( ربكم أي لا تفوتونه إن هربتم من حكمه وقضائه ) فِى الاْرْضِ ( الفسيحة ) وَلاَ فِى السَّمَاء ( التي هي أفسح منها وأبسط لو كنتم فيها، كقوله تعالى :) إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ فَانفُذُواْ ( ( الرحمن : ٣٣ )، وقيل : ولا من في السماء كما قال حسان رضي الله عنه : أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُم
وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
ويحتمل أن يراد : لا تعجزونه كيفما هبطتم في مهاوي الأرض وأعماقها، أو علوتم في البروج والقلاع الذاهبة في السماء، كقوله تعالى :) وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ( ( النساء : ٧٨ ) أو لا تعجزون أمره الجاري في السماء والأرض أن يجري عليكم،


الصفحة التالية
Icon