" صفحة رقم ٥٠٨ "
مدّ الدواة وأمدّها، جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة، وجعل الأبحر السبعة مملوءة مداداً، فهي تصب فيه مداداً أبداً صباً لا ينقطع. والمعنى : ولو أنّ أشجار الأرض أقلام، والبحر ممدود بسبعة أبحر. وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله، لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد، كقوله تعالى :) قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لّكَلِمَاتِ رَبّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبّى ( ( الكهف : ١٠٩ ). فإن قلت : زعمت أنّ قوله :) وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ ( حال في أحد وجهي الرفع، وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال. قلت : هو كقوله : وَقَدِ اغْتَدَى وَالطَّيْرُ فِي وُكُنَاتِهَا ;
و : جئت والجيش مصطف. وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف. ويجوز أن يكون المعنى : وبحرها، والضمير للأرض. فإن قلت : لم قيل :) مِن شَجَرَةٍ ( على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجر ؟ قلت : أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة، حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا قد بريت أقلاماً. فإن قلت : الكلمات جمع قلة، والموضع موضع التكثير لا التقليل. فهلا قيل : كلم الله ؟ قلت : معناه أنّ كلماته لا تفي بكتبتها البحار، فكيف بكلمه ؟ وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنها نزلت جواباً لليهود لما قالوا :( قد أوتينا التوراة وفيها كل الحكمة ) وقيل : إن المشركين قالوا : إنّ هذا يعنون الوحي كلام سينفد، فأعلم الله أن كلامه لا ينفد. وهذه الآية عند بعضهم مدنية، وأنها نزلت بعد الهجرة، وقيل هي مكية، وإنما أمر اليهود وفد قريش أن يقولوا لرسول الله ( ﷺ ) : ألست تتلو فيما أنزل عليك : أنا قد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء ) أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ( لا يعجزه شيء ) حَكِيمٌ ( لا يخرج من علمه وحكمته شيء، ومثله لا تنفد كلماته وحكمه.
) مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (
لقمان :( ٢٨ ) ما خلقكم ولا.....
) إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ ( إلا كخلقها وبعثها، أي : سواء في قدرته القليل والكثير، والواحد والجمع، لا يتفاوت، وذلك أنه إنما كانت تتفاوت النفس الواحدة والنفوس