" صفحة رقم ٥٥٧ "
على أمّته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم، وهو الفضل الكبير والمبشر بالإعراض عن الكافرين والمنافقين، لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين، وهو مناسب للبشارة والنذير بدع أذاهم، لأنه إذا ترك أذاهم في الحاضر والأذى لا بدّ له من عقاب عاجل أو آجل كانوا منذرين به في المستقبل، والداعي إلى الله بتيسيره بقوله :) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ( لأنّ من توكل على الله يسرّ عليه كل عسير، والسراج المنير بالاكتفاء به وكيلاً، لأنّ من أناره الله برهاناً على جميع خلقه، كان جديراً بأن يكتفي به عن جميع خلقه.
) ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (
الأحزاب :( ٤٩ ) يا أيها الذين.....
النكاح : الوطء، وتسمية العقد نكاحاً لملابسته له، من حيث أنه طريق إليه. ونظيره تسميتهم الخمر إثماً : لأنها سبب في اقتراف الإثم، ونحو في علم البيان قول الراجز : أَسْنِمَةُ الآبَالِ في سَحَابِهْ ;
سمى الماء بأسنمة الآبال ؛ لأنه سبب سمن المال وارتفاع أسنمته، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله إلاّ في معنى العقد ؛ لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به. ومن آداب القرآن : الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة والقربان والتغشي والإتيان. فإن قلت : لم خصّ المؤمنات والحكم الذي نطقت به الآية تستوي فيه المؤمنات والكتابيات ؟ قلت : في اختصامهنّ تنبيه على أن أصل أمر المؤمن والأولى به. أن يتخير لنطقته، وأن لا ينكح إلاّ مؤمنة عفيفة، ويتنزه عن مزاوجة الفواسق فما بال الكوافر، ويستنكف أن يدخل تحت لحاف واحدة عدوّة الله ووليه، فالتي في سورة المائدة : تعليم ما هو جائز غير محرّم، من نكاح المحصنات من الذين أوتوا الكتاب. وهذه فيها تعليم ما هو الأولى بالمؤمنين من نكاح المؤمنات. فإن قلت : ما فائدة ثم في قوله :) ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ( قلت : فائداته نفي التوهم عمن عسى يتوهم تفاوت الحكم : بين أن يطلقها وهي قريبة العهد من النكاح، وبين أن يبعد عهدها بالنكاح ويتراخى بها المدة في حباله الزواج ثم يطلقها : فإن قلت : إذا خلا بها خلوة يمكنه معها المساس، هل يقوم ذلك مقام المساس ؟ قلت : نعم. عند إبي حنيفة وأصحابه حكم الخلوة الصحيحة حكم المساس، وقوله :) فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ