" صفحة رقم ٥٧٣ "
) قَوْلاً سَدِيداً ( قاصداً إلى الحق والسداد : القصد إلى الحق، والقول بالعدل. يقال : سدّد السهم نحو الرمية : إذا لم يعدل به عن سمتها، كما قالوا : سهم قاصد، والمراد : نهيهم عما خاضوا فيه من حديث زينب من غير قصد وعدل في القول، والبعث على أن يسد قولهم في كل باب ؛ لأنّ حفظ اللسان وسداد القول رأس الخير كله. والمعنى : راقبوا الله في حفظ ألسنتكم، وتسديد قولكم، فإنكم إن فعلتم ذلك أعطاكم الله ما هو غاية الطلبة : من تقبل حسناتكم والإثابة عليها، ومن مغفرة سيآتكم وتكفيرها. وقيل : إصلاح الأعمال التوفيق في المجيء بها صالحة مرضية وهذه الآية مقرّرة للتي قبلها، بنيت تلك على النهي عما يؤذي رسول الله ( ﷺ )، وهذه على الأمر باتقاء الله تعالى في حفظ اللسان ؛ ليترادف عليهم النهي والأمر، مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام، وإتباع الأمر الوعد البليغ فيقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه. لما قال :) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ( وعلق بالطاعة الفوز العظيم، أتبعه قوله :) إِنَّا عَرَضْنَا الاْمَانَةَ ( وهو يريد بالأمانة الطاعة، فعظم أمرها وفخم شأنها، وفيه وجهان، أحدهما : أنّ هذه الأجرام العظام من السماوات والأرض والجبال قد انقادت لأمر الله عزّ وعلا انقياد مثلها وهو ما يتأتى من الجمادات وأطاعت له الطاعة التي تصح منها وتليق بها. حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته إيجاداً وتكويناً وتسوية على هيآت مختلفة وأشكال متنوعة، كما قال :) قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( ( فصلت : ١١ ) وأما الإنسان فلم تكن حاله فيما يصحّ منه من الطاعات ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه، وهو حيوان عاقل صالح للتكليف مثل حال تلك الجمادات فيما يصحّ منها ويليق بها من الانقياد وعدم الامتناع، والمراد بالأمانة : الطاعة ؛ لأنها لازمة الوجود، كما أن الأمانة لازمة الأداء. وعرضها على الجمادات وإباؤها وإشفاقها : مجاز. وأما حمل الأمانة فمن قولك : فلان حامل للأمانة ومحتمل لها، تريد أنه لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمّته ويخرج عن عهدتها ؛ لأنّ الأمانة كأنها راكبة للمؤتمن عليها وهو حاملها، ألا تراهم يقولون : ركبته الديون، ولي عليه حق، فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حاملاً لها. ونحوه قولهم، لا يملك مولى لمولى نصراً. يريدون : أنه يبذل النصرة له ويسامحه بها، ولا يمسكها كما يمسكها الخاذل، ومنه قول القائل : أَخُوكَ الَّذِي لاَ تَمْلِكُ الْحِسَّ نَفسُه
وَتَرْفَضُّ عِنْدَ الْمُحْفِظَاتِ الْكَتَائِفُ