" صفحة رقم ٥٩٠ "
( فزع )، على البناء للفاعل، وهو الله وحده، وفزع، أي : نفي الوجل عنها وأفنى، من قولهم : فرغ الزاد، إذا لم يبق منه شيء. ثم ترك ذكر الوجل وأسند إلى الجار والمجرور، كما تقول : دفع إليّ زيد، إذا علم ما المدفوع وقد تخفف، وأصله : فرغ الوجل عنها، أي : انتفى عنها، وفني ثم حذف الفاعل وأسند إلى الجار والمجرور. وقرأ :( افرنقع عن قلوبهم )، بمعنى : انكشف عنها. وعن أبي علقمة أنه هاج به المرار فالتف عليه الناس، فلما أفاق قال : ما لكم تكأكأتم عليَّ تكأكأكم على ذي جنة ؟ افرنقعوا عني. والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين، كما ركب ( اقمطر ) من حروف القمط، مع زيادة الراء. وقرىء :( الحق ) بالرفع، أي : مقولة الحق ) وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ ( ذو العلو والكبرياء، ليس لملك ولا نبيّ أن يتكلم ذلك اليوم إلاّ بإذنه، وأن يشفع إلاّ لمن ارتضى.
) قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ (
سبأ :( ٢٤ ) قل من يرزقكم.....
أمره بأن يقررهم بقوله :) مَن يَرْزُقُكُم ( ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله : يرزقكم الله. وذلك بالإشعار بأنهم مقرّون به بقلوبهم، إلاّ أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به ؛ لأن الذي تمكن في صدورهم من العناد وحب الشرك قد ألجم أفواههم عن النطق بالحق مع علمهم بصحته، ولأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم : لزمهم أن يقال لهم : فما لكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق، ألا ترى إلى قوله :) قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السَّمَاء وَالاْرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والاْبْصَارَ ( ( يونس : ٣١ ) حتى قال :) فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ( ( يونس : ٣١ ) ثم قال :) فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ( ( يونس : ٣٢ ) فكأنهم كانوا يقرّون بألسنتهم مرّة، ومرّة كانوا يتلعثمون عناداً وضراراً وحذاراً من إلزام الحجة، ونحوه قوله عزّ وجلّ :) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاواتِ وَالاْرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لانْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرّا ( ( الرعد : ١٦ ) وأمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام الذي لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه ) وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ ( ومعناه : وإنّ أحد الفريقين من الذين يوحدون الرازق من السموات والأرض بالعبادة ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة، لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي