" صفحة رقم ٦٢٠ "
يخشى، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه. وقال رجل للشعبي : أفتني أيها العالم، فقال : العالم من خشي الله. وقيل : نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه. فإن قلت : هل يختلف المعنى إذا قدّم المفعول في هذا الكلام أو أخر ؟ قلت : لا بدّ من ذلك، فإنك إذا قدمت اسم الله وأخرت العلماء كان المعنى : أنّ الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم، وإذا عملت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم يخشون إلا الله، كقوله تعالى :) وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ ( ( الأحزاب : ٣٩ ) وهما معنيان مختلفان. فإن قلت : ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله ؟ قلت : لما قال :) أَلَمْ تَرَ ( بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء، وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعته وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس وما يستدلّ به عليه وعلى صفاته، أتبع ذلك ) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ( كأنه قال : إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك : ممن عرفه حق معرفته وعلمه كنه علمه. وعن النبي ( ﷺ ) :
( ٩٢٥ ) ( أَنَا أَرجُو أَنْ أكونَ أتقاكُم للَّهِ وأَعْلَمَكُمْ بِهِ ). فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ :) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ( وهو عمر بن عبد العزيز ويحكى عن أبي حنيفة ؟ قلت : الخشية في هذه القراءة استعارة، والمعنى : إنما يجلهم ويعظمهم، كما يجلّ المهيب المخشي من الرجال بين الناس ومن بين جميع عباده ) إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ( تعليل لوجوب الخشية، لدلالته على عقوبة العصاة، وقهرهم وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم، والمعاقب المثيب : حقه أن يخشى.
) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُواْ الصَّلَواةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ


الصفحة التالية
Icon