" صفحة رقم ١١٥ "
اللابس. ومنه قول ذي الرمة في وصف السراب : تَلْوِي الثَّنَايَا بِأَحْقَيْهَا حَوَاشِيَه
لَيَّ الْمَلاَءِ بِأَبْوَابِ التَّفَارِيجِ
ومنها أنّ كل واحد منهما يغيب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامح الأبصار. ومنها : أن هذا يكر على هذا كروراً متتابعاً. فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض ) إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ ( الغالب القادر على عقاب المصرين ) الْغَفَّارُ ( لذنوب التائبين أو الغالب الذي يقدر على أن يعالجهم بالعقوبة وهو يحلم عنهم ويؤخرهم إلى أجل مسمى، فسمى الحلم عنهم : مغفرة.
) خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الاٌّ نْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِى ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (
الزمر :( ٦ ) خلقكم من نفس.....
فإن قلت : ما وجه قوله :) ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ( وما يعطيه من معنى التراخي ؟ قلت : هما آيتان من جملة الآيات التي عدّدها دالاً على وحدانيته وقدرته : تشعيب هذا الخلق الفائت للحصر من نفس آدم، وخلق حواء من قصيراه ؛ إلا أن إحداهما جعلها الله عادة مستمرّة، والأخرى لم تجريها العادة، ولم تخلق أنثى غير حواء من قصيرى رجل، فكانت أدخل في كونها آية، وأجلب لعجب السامع، فعطفها بثم على الآية الأولى، للدلالة على مباينتها لها فضلاً ومزية، وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية، فهو من التراخي في الحال والمنزلة، لا من التراخي في الوجود. وقيل : ثم متعلق بمعنى واحدة، كأنه قيل : خلقكم من نفس واحدة، ثم شفعها الله بزوج. وقيل : أخرج ذرية


الصفحة التالية
Icon