" صفحة رقم ١٢٨ "
فإن قلت : فهلا قيل : مستقيماً : أو غير معوج ؟ قلت : فيه فائدتان، إحداهما : نفي أن يكون فيه عوج قط، كما قال :) وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ( ( الكهف : ١ ) والثانية : أن لفظ العوج مختص بالمعاني دون الأعيان، وقيل : المراد بالعوج : الشكّ واللبس. وأنشد : وَقَدْ أَتَاكَ يَقِينٌ غَيْرُ ذِي عِوَج
مِنَ الإلاهِ وَقَوْلٌ غَيْرُ مَكْذُوبِ
) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ (
الزمر :( ٢٩ ) ضرب الله مثلا.....
واضرب لقومك مثلاً، وقل لهم : ما تقولون في رجل من المماليك قد اشترك فيه شركاء بينهم اختلاف وتنازع : كل واحد منهم يدعي أنه عبده، فهم يتجاذبونه ويتعاورونه في مهن شتى ومشاده، وإذا عنت له حاجة تدافعوه، فهو متحير في أمره سادر قد تشعبت الهموم قلبه وتوزعت أفكاره، لا يدري أيهم يرضى بخدمته ؟ وعلى أيهم يعتمد في حاجاته. وفي آخر : قد سلم لمالك واحد وخلص له، فهو معتنق لما لزمه من خدمته، معتمد عليه فيما يصلحه، فهمه واحد وقلبه مجتمع، أيُّ هذين العبدين أحسن حالاً وأجمل شأناً ؟ والمراد : تمثيل حال من يثبت آلهة شتى، وما يلزمه على قضية مذهبه من أن يدعي كل واحد منهم عبوديته، ويتشاكسوا في ذلك ويتغالبوا، كما قال تعالى :) وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ( ( المؤمنون : ٩١ ) ويبقى هو متحيراً ضائعاً لا يدري أيهم يعبد ؟ وعلى ربوبية أيهم يعتمد ؟ وممن يطلب رزقه ؟ وممن يلتمس رفقه ؟ فهمه شعاع وقلبه أو زاع، وحال من لم يثبت إلا إلاهاً واحداً، فهو قائم بما كلفه، عارف بما أرضاه وما أسخطه، متفضل عليه في عاجله، مؤمل للثواب من أجله. و ) فِيهِ ( صلة شركاء، كما تقول : اشتركوا فيه. والتشاكس والتشاخس : الاختلاف، تقول : تشاكست أحواله، وتشاخست أسنانه سالماً لرجل خالصاً. وقرىء :( سلماً ) بفتح الفاء والعين، وفتح الفاء وكسرها مع سكون العين، وهي مصادر سلم. والمعنى : ذا سلامة لرجل، أي : ذا خلوص له من الشركة، من قولهم : سلمت له الضيعة. وقرىء بالرفع على الابتداء، أي : وهناك رجل سالم لرجل، وإنما جعله رجلاً ليكون أفطن لما شقي به أو سعد، فإن المرأة والصبي قد يغفلان عن ذلك ) هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ( هل يستويان : صفة على التمييز، والمعنى : هل