" صفحة رقم ١٣٣ "
قلت : للاختصار، ولما فيه من زيادة الوعيد، والإيذان بأنّ حاله لا تقف، وتزداد كل يوم قوّة وشدّة، لأنّ الله ناصره ومعينه ومظهره على الدين كله. ألا ترى إلى قوله :) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ ( كيف توعدهم بكونه منصوراً عليهم غالياً عليهم في الدنيا والآخرة، لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزّه وغلبته، من حيث أن الغلبة تتم له بعز عزيز من أوليائه، وبذل ذليل من أعدائه ) يُخْزِيهِ ( مثل مقيم في وقوعه صفة للعذاب، أي : عذاب مخزٍ له، وهو بدر، وعذاب دائم وهو عذاب النار. وقرىء :( مكاناتكم ).
) إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَق فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (
الزمر :( ٤١ ) إنا أنزلنا عليك.....
) لِلنَّاسِ ( لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه ؛ ليبشروا وينذروا، فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية. ولا حاجة إلى ذلك فأنا الغني، فمن اختار الهدي فقد نفع نفسه، ومن اختار الضلالة فقد ضرّها. وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى، فإنّ التكليف مبني على الاختيار دون الإجبار.
) اللَّهُ يَتَوَفَّى الاٌّ نفُسَ حِينَ مِوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الاٍّ خْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (
الزمر :( ٤٢ ) الله يتوفى الأنفس.....
) الأنفُسُ ( الجمل كما هي. وتوفيها : إماتتها، وهو أن يسلب ما هي به حية حساسة درّاكة : من صحة أجزائها وسلامتها ؛ لأنها عند سلب الصحة كأن ذاتها قد سلبت ) وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا ( يريد ويتوفي الأنفس التي لم تمت في منامها، أي : يتوفاها حين تنام، تشبيهاً للنائمين بالموتى. ومنه قوله تعالى :) وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ ( ( الأنعام : ٦ ) حيث لا يميزون ولا يتصرفون، كما أنّ الموتى كذلك ) فَيُمْسِكُ ( الأنفس ) الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ( الحقيقي، أي : لا يردّها في وقتها حية ) وَيُرْسِلُ الاْخْرَى ( النائمة إلى أجل مسمى إلى وقت ضربه لموتها. وقيل : يتوفى الأنفس يستوفيها ويقضيها، وهي الأنفس التي تكون معها الحياة والحركة، ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها، وهي أنفس التمييز. قالوا : فالتي تتوفى في النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة ؛ لأنّ نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس، والنائم يتنفس. ورووا عن ابن عباس رضي الله عنهما في ابن آدم : نفس وروح بينهما شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها النفس والتحرك، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه