" صفحة رقم ١٥ "
أجود وإن كان إثباتها جائزاً ؛ يقال : قد علمت بما صنعت هذا، أي : بأي شيء صنعت وبم صنعت.
) وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (
يس :( ٢٨ ) وما أنزلنا على.....
المعنى : أن الله كفى أمرهم بصيحة ملك، ولم ينزل لإهلاكهم جنداً من جنود السماء، كما فعل يوم بدر والخندق، فإن قلت : وما معنى قوله :) وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ( ؟ قلت : معناه : وما كان يصح في حكمتنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جنداً من السماء، وذلك لأن الله تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون البعض، وما ذلك إلا بناء على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة. ألا ترى إلى قوله تعالى :) فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً مِنْهُمْ وَمِنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الاْرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا ( ( العنكبوت : ٤٠ ). فإن قلت : فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق ؟ قال تعالى :) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ( ( الأحزاب : ٩ )، ) بِأَلْفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُرْدِفِينَ ( ( الأنفال : ٩ )، ) بِثَلاَثَةِ ءالاَفٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُنزَلِينَ ( ( آل عمران : ١٢٤ )، ) بِخَمْسَةِ ءالافٍ مّنَ الْمَلَئِكَةِ مُسَوّمِينَ ( ( آل عمران : ١٢٥ ) ؟ قلت : إنما كان يكفي ملك واحد، فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة منه، ولكن الله فضل محمداً ( ﷺ ) بكل شيء على كبار الأنبياء وأولي العزم من الرسل، فضلاً عن حبيب النجار، وأولاده من أسباب الكرامة والإعزاز ما لم يوله أحداً ؛ فمن ذلك أنه أنزل له جنوداً من اسماء وكأنه أشار بقوله :) وَمَا أَنزَلْنَا ( ) وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ( الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلاّ مثلك، وما كنا نفعله بغيرك ( إن كانت إلاّ صيحة واحدة ) إن كانت الآخذة أو العقوبة إلاّ صيحة واحدة. وقرأ أبو جعفر المدني بالرفع على كان التامة، أي : ما وقعت إلاّ صيحة، والقياس والاستعمال على تذكير الفعل ؛ لأنّ المعنى : ما وقع شيء إلاّ صيحة، ولكنه نظر إلى ظاهر اللفظ وأن الصيحة في حكم فاعل الفعل، ومثلها قراءة الحسن :( فأصبحوا لا ترى إلاّ مساكنهم ) وبيت ذي الرمّة : وَمَا بَقِيَتْ إلاَّ الضُّلُوعُ الْجَرَاشِعُ