" صفحة رقم ١٥٩ "
أن يسمى خلقهم أمواتاً : إماتة ؟ قلت : كما صحّ أن تقول : سبحان من صغر جسم البعوضة وكبر جسم الفيلا وقولك للحفار : ضيق فم الركية ووسع أسفلها، وليس ثم نقل من كبر إلى صغر ولا من صغر إلى كبر، ولا من ضيق إلى سعة، ولا من سعة إلى ضيق، وإنما أردت الإنشاء على تلك الصفات، والسبب في صحته أن الصغر والكبر جائز معاً على المصنوع الواحد، من غير ترجح لأحدهما، وكذلك الضيق والسعة. فإذا اختار الصانع أحد الجائزين وهو متمكن منهما على السواء فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر، فجعل صرفه عنه كنقله منه، ومن جعل الإماتتين التي بعد حياة الدنيا والتي بعد حياة القبر لزمه ثلاث إحياءات، وهو خلاف ما في القرآن، إلاّ أن يتمحل فيجعل إحداها غير معتدّ بها، أو يزعم أن الله تعالى يحييهم في القبور، وتستمرّ بهم تلك الحياة فلا يموتون بعدها، ويعدّهم في المستثنيين من الصعقة في قوله تعالى ) إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ( ( النمل : ٧٨ ). فإن قلت : كيف تسبب هذا لقوله تعالى :) فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ( ؟ قلت : قد أنكروا البعث فكفروا، وتبع ذلك من الذنوب ما لا يحصى ؛ لأن من لم يخش العاقبة تخرق في المعاصي، فلما رأوا الإماتة والإحياء قد تكرّرا عليهم، علموا بأن الله قادر على الإعادة قدرته على الإنشاء، فاعترفوا بذنوبهم التي اقترفوها من إنكار البعث وما تبعه من معاصيهم ) فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ ( أي : إلى نوع من الخروج سريع أو بطىء ) مّن