" صفحة رقم ١٧٥ "
هذا الوجه تعظيم للنار وتهويل من عذابها، وعرضهم عليها : إحراقهم بها. يقال : عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به، وقرىء :( النار ) بالنصب، وهي تعضد الوجه الأخير. وتقديره : يدخلون النار يعرضون عليها، ويجوز أن ينتصب على الاختصاص ) غُدُوّاً وَعَشِيّاً ( في هذين الوقتين يعذبون بالنار، وفيما بين ذلك الله أعلم بحالهم، فأمّا أن يعذبوا بجنس آخر من العذاب، أو ينفس عنهم. ويجوز أن يكون ) غُدُوّاً وَعَشِيّاً ( : عبارة عن الدوام، هذا ما دامت الدنيا، فإذا قامت الساعة قيل لهم :) أَدْخِلُواْ ( يا ) فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ( عذاب جهنم. وقرىء :( أدخلوا آل فرعون ) أي : يقال لخزنة جهنم : أدخلوهم. فإن قلت : قوله :( وحاق بآل فرعون سوء العذاب ) معناه : أنه رجع عليهم ما هموا به من المكر بالمسلمين، كقول العرب : من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً، فإذا فسر سوء العذاب بنار جهنم : لم يكن مكرهم راجعاً عليهم، لأنهم لا يعذبون بجهنم. قلت : يجوز أن يهم الإنسان بأن يغرق قوماً فيحرق بالنار، ويسمى ذلك حيقاً ؛ لأنه همّ بسوء فأصابه ما يقع عليه اسم السوء. ولا يشترط في الحيق أن يكون الحائق ذلك السوء بعينه، ويجوز أن يهمّ فرعون لما سمع إنذار المسلمين بالنار، وقول المؤمن :) وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ( ( غافر : ٤٣ ) فيفعل نحو ما فعل نمرود ويعذبهم بالنار، فحاق به مثل ما أضمرة بفعله. ويستدلّ بهذه الآية على إثبات عذاب القبر.
) وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ (
غافر :( ٤٧ ) وإذ يتحاجون في.....
واذكر وقت يتحاجون ) تَبَعًا ( تباعاً، كخدم في جمع خادم. أو ذوي تبع، أي : أتباع، أو وصفاً بالمصدر.
) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (
غافر :( ٤٨ ) قال الذين استكبروا.....
وقرىء :( كلا ) على التأكيد لاسم إن، وهو معرفة، والتنوين عوض من المضاف إليه، يريد : إنا كلنا، أو كلنا فيها. فإن قلت : هل يجوز أن يكون ( كلا ) حالاً قد عمل ( فيها ) فيها ؟ قلت : لا لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمة كما يعمل في الظرف متقدماً تقول كل يوم لك ثوب ولا تقول قائماً في الدار زيد ) قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ( قضى بينهم وفصل بأن أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
) وَقَالَ الَّذِينَ فِى النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ قَالُواْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُواْ بَلَى قَالُواْ فَادْعُواْ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى


الصفحة التالية
Icon