" صفحة رقم ٢٣٧ "
ولم عرف الذكور بعد ما نكر الإناث ؟ قلت : لأنه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى وكفران الإنسان بنسيانه الرحمة السابقة عنده، ثم عقبه بذكر ملكه ومشيئته وذكر قسمة الأولاد، فقدم الإناث لأنّ سياق الكلام أنه فاعل ما يشاؤه لا ما يشاؤه الإنسان، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم، والأهم واجب التقديم، وليلى الجنس الذي كانت العرب تعدّه بلاء ذكر البلاء، وأخر الذكور فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيرهم، وهم أحقاء بالتقديم بتعريفهم ؛ لأن التعريف تنويه وتشهير، كأنه قال : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير، وعرّف أن تقديمهنّ لم يكن لتقدمهنّ، ولكن لمقتض آخر فقال :) ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً ( كما قال :) إِنَّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى ( ( الحجرات : ١٣ )، ) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاْنثَى ( ( القيامة : ٣٩ ) وقيل : نزلت في الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، حيث وهب لشعيب ولوط إناثاً، ولإبراهيم ذكوراً، ولمحمد ذكوراً وإناثاً، وجعل يحيى وعيسى عقيمين ) إِنَّهُ عَلِيمٌ ( بمصالح العباد ) قَدِيرٌ ( على تكوين ما يصلحهم.
) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِىٌّ حَكِيمٌ (
الشورى :( ٥١ ) وما كان لبشر.....
) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ ( وما صح لأحد من البشر ) أَن يُكَلّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ ( على ثلاثة أوجه : إما على طريق الوحي وهو الإلهام والقذف في القلب أو المنام، كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده. وعن مجاهد : أوحى الله الزبور إلى داود عليه السلام في صدره. قال عبيد بن الأبرص : وَأَوْحَى إِليَّ اللَّهُ أَنْ قَدْ تَأَمَّرُوا
بِإِبْلِ أَبِي أَوْفَى فَقُمْتُ عَلَى رِجْلِ
أي : ألهمني وقذف في قلبي. وإما على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام، من غير أن يبصر السامع من يكلمه، لأنه في ذاته غير مرئي. وقوله :) مِن وَرَاء حِجَابٍ ( مثل أي، كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه وهو من وراء الحجاب، فيسمع صوته ولا يرى شخصه، وذلك كما كلم موسى ويكلم الملائكة. وإما على أن يرسل إليه رسولاً من الملائكة فيوحى الملك إليه كما كلم الأنبياء غير موسى. وقيل :


الصفحة التالية
Icon