" صفحة رقم ٢٥٢ "
المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي، وكان الوليد يقول : لو كان حقاً ما يقول محمد لنزل هذا القرآن عليّ أو على أبي مسعود الثقفي، وأبو مسعود : كنية عروة بن مسعود ما زالوا ينكرون أن يبعث الله بشراً رسولاً، فلما علموا بتكرير الله الحجج أن الرسل لم يكونوا إلا رجالاً من أهل القرى، جاؤوا بالإنكار من وجه آخر، وهو تحكمهم أن يكون أحد هذين، وقولهم : هذا القرآن ذكر له على وجه الاستهانة به، وأرادوا بعظم الرجل : رياسته وتقدّمه في الدنيا، وعزب عن عقولهم أن العظيم من كان عند الله عظيماً.
) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (
الزخرف :( ٣٢ ) أهم يقسمون رحمة.....
) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ ( هذه الهمزة للإنكار المستقل بالتجهيل والتعجيب من اعتراضهم وتحكمهم، وأن يكونوا هم المدبرين لأمر النبوّة والتخير لها من يصلح لها ويقوم بها، والمتولين لقسمة رحمة الله التي لا يتولاها إلا هو بباهر قدرته وبالغ حكمته، ثم ضرب لهم مثلاً فأعلم أنهم عاجزون عن تدبير خويصة أمرهم وما يصلحهم في دنياهم، وأنّ الله عز وعلا هو الذي قسم بينهم معيشتهم وقدرها ودبر أحوالهم تدبير العالم بها، فلم يسق بينهم ولكن فاوت بينهم في أسباب العيش، وغاير بين منازلهم فجعل منهم أقوياء وضعفاء وأغنياء ومحاويج وموالي وخدماً، ليصرف بعضهم بعضاً في حوائجهم ويستخدمون في مهنهم ويتسخرون في أشغالهم، حتى يتعايشوا ويترافدوا ويصلوا إلى منافعهم ويحصلوا على مرافقهم ؛ ولو وكلهم إلى أنفسهم وولاهم تدبير أمرهم، لضاعوا وهلكوا. وإذا كانوا في تدبير المعيشة الدنية في الحياة الدنيا على هذه الصفة، فما ظنك بهم في تدبير أمور الدين الذي هو رحمة الله الكبرى ورأفته العظمى ؟ وهو الطريق إلى حيازة حظوظ الآخرة وبالسلم إلى حلول دار السلام ؟ ثم قال :) وَرَحْمَةُ رَبّكَ ( يريد : وهذه الرحمة وهي دين الله وما يتبعه من الفوز في المآب : خير ما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا. فإن قلت : معيشتهم ما يعيشون به من المنافع، ومنهم من يعيش بالحلال، ومنهم من يعيش بالحرام ؛ فإذن قد قسم الله تعالى الحرام كما قسم الحلال. قلت : الله تعالى قسم لكل عبد معيشته وهي مطاعمه ومشاربه وما يصلحه من المنافع وأذن له في تناولها، ولكن شرط عليه وكلفه أن يسلك في تناولها الطريق التي


الصفحة التالية
Icon