" صفحة رقم ٣٧١ "
مورد جواب المستخبر عن العلة الموجبة لما جاء النهي عنه، وإلا فقد كان حقه أن يوصل بما قبله بالفاء. والمعنى وجوب أن يعتقد كل أحد أن المسخور منه ربما كان عند الله خيراً من الساخر، لأنّ الناس لا يطلعون إلا على ظواهر الأحوال ولا علم لهم بالخفيات، وإنما الذي يزن عند الله ؛ خلوص الضمائر وتقوى القلوب، وعلمهم من ذلك بمعزل، فينبغي أن لا يجترىء أحد على الاستهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رث الحال، أو ذا عاهة في بدنه، أو غير لبيق في محادثته، فلعله أخلص ضميراً وأتقى قلباً ممن هو على ضدّ صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله والاستهانة بمن عظمه الله، ولقد بلغ بالسلف إفراط توقيهم وتصونهم من ذلك أن قال عمر بن شرحبيل : لو رأيت رجلاً يرضع عنزاً فضحكت منه : خشيت أن أصنع مثل الذي صنعه. وعن عبد الله بن مسعود : البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلباً. وفي قراءة عبد الله :( عسوا أن يكونوا ) وعسين أن يكن، فعسى على هذه القراءة هي ذات الخبر كالتي في قوله تعالى :) فَهَلْ عَسَيْتُمْ ( ( محمد : ٢٢ ) وعلى الأولى التي لا خبر لها كقوله تعالى :) وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا ( ( البقرة : ٢١٦ ). واللمز : الطعن والضرب باللسان. وقرىء :( ولا تلمزوا ) بالضم. والمعنى : وخصوا أيها المؤمنون أنفسكم بالانتهاء من عيبها والطعن فيها، ولا عليكم أن تعيبوا غيركم ممن لا يدين بدينكم ولا يسير بسيرتكم، ففي الحديث عن رسول الله ( ﷺ ) :
( ١٠٧٠ ) ( اذكروا الفاجر بما فيه كي يحذره الناس )