" صفحة رقم ٤٦٣ "
وهما لذوات متفقة، وصفتان متفقتان، فكان عطفاً للشيء على نفسه ؟ قلت : ليسئا بمتفقتين، من حيث إنّ كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه : من تناهي الحرارة وقطع الأمعاء : أمر عجيب، وشربهم له على ذلك كما تشرب الهيم الماء : أمر عجيب أيضاً، فكانتا صفتين مختلفتين. النزل : الرزق الذي يعدّ للنازل تكرماً له. وفيه تهكم، كما في قوله تعالى :) فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( ( آل عمران : ٢١ ) وكقول أبي الشعر الضبي. وَكُنَّا إِذَا الْجَبَّارُ بِالْجَيْشِ ضَافَنَا
جَعَلْنَا الْقَنَا وَالمُوْهِفَاتِ لَهُ نُزْلاَ
وقرىء :( نزلهم ) بالتخفيف.
) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ أَفَرَءَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ أَءَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاٍّ ولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ (
الواقعة :( ٥٧ ) نحن خلقناكم فلولا.....
) فَلَوْلاَ تُصَدّقُونَ ( تحضيض على التصديق : إما بالخلق لأنهم وإن كانوا مصدّقين به، إلا أنهم لما كان مذهبهم خلاف ما يقتضيه التصديق، فكأنهم مكذبون به. وإما بالبعث ؛ لأنّ من خلق أولاً لم يمتنع عليه أن يخلق ثانياً ( ما تمنون ) ما تمنونه، أي : تقذفونه في الأرحام من النطف وقرأ أبو السمال بفتح التاء يقال : أمني النطفة ومناها. قال الله تعالى :) مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ( ( النجم : ٤٦ ). ) تَخْلُقُونَهُ ( تقدرونه تصوّرونه ) قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ( تقديراً وقسمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا، فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط. وقرىء :( قدرنا ) بالتخفيف. سبقته على الشيء : إذا أعجزته عنه وغلبته عليه ولم تمكنه منه، فمعنى قوله :) وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدّلَ أَمْثَالَكُمْ ( أنا قادرون على ذلك لا تغلبوننا عليه، وأمثالكم جمع مثل : أي على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق، وعلى أن ( ننشأكم ) في خلق لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها، يعني : أنا نقدر على الأمرين جميعاً : على خلق ما يماثلكم، وما لا يماثلكم ؛ فكيف نعجز عن إعادتكم. ويجوز أن يكون ) أَمْثَالَكُم ( جمع مثل، أي : على أن نبدّل ونغير صفاتكم التي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم، وننشئكم في صفات لا تعلمونها. قرىء :( النشأة ) والنشاءة. وفي هذا دليل على صحة القياس حيث جهَّلهم في ترك قياس النشأة الأخرى على الأولى.


الصفحة التالية
Icon