" صفحة رقم ٥٩٠ "
إعمالاً واحداً ؛ ومحله النصب على الحال، كأنه قال : ما أنت بمجنون منعماً عليك بذلك ؛ ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله، لأنها زائدة لتأكيد النفي. والمعنى ؛ استبعاد ما كان ينسبه إليه كفار مكة عداوة وحسداً، وأنه من إنعام الله عليه بحصافة العقل والشهامة التي يقتضيها التأهيل للنبوّة، بمنزل ) وَإِنَّ لَكَ ( على احتمال ذلك وإساغة الغصة فيه والصبر عليه ) لاجْرًا ( لثواباً ) غَيْرُ مَمْنُونٍ ( غير مقطوع كقوله :) عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ( ( هود : ١٠٨ ) أو غير ممنون عليك به، لأنّه ثواب تستوجبه على عملك، وليس بتفضل ابتداء ؛ وإنما تمنّ الفواضل لا الأجور على الأعمال.
) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (
القلم :( ٤ ) وإنك لعلى خلق.....
استعظم خلقه لفرط احتماله الممضات من قومه وحسن مخالفته ومداراته لهم. وقيل : هو الخلق الذي أمره الله تعالى به في قوله تعالى :) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ ( ( الأعراف : ١٩٩ ) وعن عائشة رضي الله عنها :
( ١٢١٧ ) أن سعيد بن هشام سألها عن خلق رسول الله ( ﷺ ) فقالت : كان خلقه القرآن، ألست تقرأ القرآن : قد أفلح المؤمنون.
) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (
القلم :( ٥ ) فستبصر ويبصرون
) الْمَفْتُونُ ( المجنون، لأنه فتن : أي محن بالجنون. أو لأن العرب يزعمون أنه من تخبيل الجن، وهم الفتان للفتاك منهم، والباء مزيدة. أو المفتون مصدر كالمعقول والمجلود، أي : بأيكم الجنون، أو بأي الفريقين منكم الجنون، أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين ؟ أي : في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم : وهو تعريض بأبي جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وأضرابهما، وهذا كقوله تعالى :) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الاْشِرُ ( ( القمر : ٢٦ ).


الصفحة التالية
Icon