" صفحة رقم ٦٠٨ "
كانت الموتة التي قضت عليّ، لأنه رأى تلك الحالة أبشع وأمر مما ذاقه من مرارة الموت وشدته ؛ فتمناه عندها ) مَا أَغْنَى ( نفي أو استفهام على وجه الإنكار، أي : أي شيء أغنى عني ما كان لي من اليسار ) هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ ( ملكي وتسلطى على الناس، وبقيت فقيراً ذليلاً. وعن ابن عباس : أنها نزلت في الأسود بن عبد الأشد. وعن فناخسرة الملقب بالعضد، أنه لما قال : عَضُدُ الدَّوْلَةِ وَابْنُ رُكْنِهَا
مَلِكُ الأمْلاَكِ غَلاَّبُ الْقَدَرْ
لم يفلح بعده وجنّ فكان لا ينطق لسانه إلا بهذه الآية. وقال ابن عباس : ضلت عني حجتي. ومعناه : بطلت حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا.
) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ (
الحاقة :( ٣٠ - ٣٧ ) خذوه فغلوه
) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ( ثم لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى، لأنه كان سلطاناً يتعظم على الناس. يقال : صلى النار وصلاة النار. سلكه في السلسلة : أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه ألمناؤها ؛ وهو فيما بينها مرهق مضيق عليه لا يقدر على حركة ؛ وجعلها سبعين ذراعاً إرادة الوصف بالطول. كما قال : إن تستغفر لهم سبعين مرة، يريد : مرات كثيرة، لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد. والمعنى في تقديم السلسلة على السلك : مثله في تقديم الجحيم على النصلية. أي : لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم. ومعنى ) ثُمَّ ( الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم، وما بينها وبين السلك في السلسلة، لا على تراخي المدة ( أنه ) تعليل على طريق الاستئناف، وهو أبلغ ؛ كأنه قيل : ما له يعذب هذا العذاب الشديد ؟ فأجيب بذلك. وفي قوله :) وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ( دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين، أحدهما : عطفه على الكفر، وجعله قرينة له. والثاني : ذكر الحض دون الفعل، ليعلم أنّ تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل، وما أحسن قول القائل :