" صفحة رقم ٦٨٨ "
الخنازير، وبعضهم منكسون : أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها، وبعضهم عمياً، وبعضهم صماً بكماً، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم : يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار، وبعضهم أشدّ نتناً من الجيف، وبعضهم ملبسون جباباً سابغة من قطران لازقة بجلودهم ؛ فأما الذين على صورة القردة فالتقات من الناس. وأما الذين على صورة الخنازير : فأهل السحت. وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا، وأما العمى فالذين يجورون في الحكم، وأما الصمّ البكم فالمعجبون بأعمالهم، وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم أعمالهم، وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران، وأما المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان، وأما الذين هم أشدّ نتناً من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حق الله في أموالهم، وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء ) وقرىء ( وفتحت ) بالتشديد والتخفيف. والمعنى : كثرة أبوابها المفتحة لنزول الملائكة، كأنها ليست إلا أبواباً مفتحة، كقوله :) وَفَجَّرْنَا الاْرْضَ عُيُوناً ( ( القمرن ١٢ )، كأن كلها عيون تتفجر. وقيل : الأبواب الطرق والمسالك، أي : تكشط فينفتح مكانها وتصير طرقاً يسدّها شيء ) فَكَانَتْ سَرَاباً (، كقوله :) فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً ( ( الواقعة : ٦ ). يعني أنها تصير شيئاً كلا شيء، لتفرّق أجزائها وانبثاث جواهرها.
) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً لِّلطَّاغِينَ مَأاباً لَّابِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزَآءً وِفَاقاً إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً وَكَذَّبُواْ بِأايَاتِنَا كِذَّاباً وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً (
النبأ :( ٢١ ) إن جهنم كانت.....
المرصاد : الحدّ الذي يكون فيه الرصد. والمعنى : أن جهنم هي حدّ الطاغين الذي يرصدون فيه للعذاب وهي مآبهم. أو هي مرصاد لأهل الجنة ترصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها، لأن مجازهم عليها، وهي مآب للطاغين. وعن الحسن وقتادة نحوه، قالا : طريقاً وممرّاً لأهل الجنة. وقرأ ابن يعمر ( أنّ جهنم ) بفتح الهمزة على تعليل قيام الساعة بأنّ جهنم كانت مرصاداً للطاغين، كأنه قيل : كان ذلك لإقامة الجزاء. قرىء ( لابثين ) ( ولبثين ) واللبث أقوى، لأنّ اللابث من وجد منه اللبث، ولا يقال ( لبث ) إلا لمن شأنه اللبث، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفك منه ) أَحْقَاباً ( حقباً بعد حقب، كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية، ولا يكاد يستعمل الحقب والحقبة إلا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها، والاشتقاق يشهد لذلك. ألا ترى إلى حقيبة الراكب، والحقب الذي وراء التصدير وقيل : الحقب ثمانون سنة، ويجوز أن يراد : لابثين فيها أحقاباً غير ذائقين فيها برداً ولا شراباً إلا حميماً وغساقاً، ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم