" صفحة رقم ٧٥٨ "
الإذخر ). فإن قلت : أين نظير قوله :) وَأَنتَ حِلٌّ ( في معنى الاستقبال ؟ قلت : قوله عزّ وجل :) إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ ( ( الزمر : ٣٠ ) ومثله واسع في كلام العباد، تقول لمن تعده الإكرام والحباء : أنت مكرم محبو، وهو في كلام الله أوسع ؛ لأن الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة. وكفاك دليلاً قاطعاً على أنه للاستقبال، وأن تفسيره بالحال محال : أن السورة بالاتفاق مكية، وأين الهجرة عن وقت نزولها، فما بال الفتح ؟ فإن قلت : ما المراد بوالد وما ولد ؟ قلت : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن ولده، أقسم ببلده الذي هو مسقط رأسه وحرم أبيه إبراهيم ومنشأ أبيه إسماعيل، وبمن ولده وبه. فإن قلت : لم نكر ؟ قلت : للإبهام المستقل بالمدح والتعجب. فإن قلت : هلا قيل ومن ولد ؟ قلت : فيه ما في قوله :) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ( ( آل عمران : ٣٦ ) أي : بأي شيء وضعت، يعني موضوعاً عجيب الشأن. وقيل : هما آدم وولده. وقيل : كل والد وولد.
والكبد : أصله من قولك : كبد الرجل كبداً، فهو أكبد : إذا وجعت كبده وانتفخت، فاتسع فيه حتى استعمل في كل تعب ومشقة. ومنه اشتقت المكابدة، كما قيل : كبته بمعى أهلكه. وأصله : كبده، إذا أصاب كبده. قال لبيد : يَا عَيْنُ هَلاَّ بكيتِ أَرْبَدَ إذ
قُمْنَا وَقَامَ الْخُصُومُ فِي كَبَدِ
أي : في شدة الأمر وصعوبة الخطب.
والضمير في ) أَيَحْسَبُ ( لبعض صناديد قريش الذي كان رسول الله ( ﷺ ) يكابد منهم ما يكابد. والمعنى : أيظن هذا الصنديد القوي في قومه المتضعف للمؤمنين : أن لن تقوم قيامة، ولن يقدر على الانتقام منه وعلى مكافأته بما هو عليه، ثم ذكر ما يقوله في ذلك اليوم، وأنه يقول :) أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً ( يريد كثرة ما أنفقه فيما كان أهل الجاهلية يسمونها مكارم، ويدعونها معالي ومفاخر ) أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ( حين كان ينفق ما ينفق رئاء الناس وافتخاراً بينهم، يعني : أن الله كان يراه وكان عليه رقيباً. ويجوز أن يكون الضمير للإنسان، على أن يكون المعنى : أقسم بهذا البلد الشريف، ومن شرفه أنك حلّ به مما يقترفه أهله من المآثم متحرج برىء، فهو حقيق بأن أعظمه بقسمي به ) لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى كَبَدٍ ( أي : في مرض : وهو مرض القلب وفساد الباطن، يريد : الذين علم الله منهم حين خلقهم أنهم لا يؤمنون ولا يعملون الصالحات. وقيل : الذي يحسب أن لن


الصفحة التالية
Icon