" صفحة رقم ٨٠٥ "
فالتفت وهو يدعو فإذا هو بطير من نحو اليمن فقال : والله إنها لطير غريبة ما هي ببحرية ولا تهامية. وفيه : أنّ أهل مكة قد احتووا على أموالهم، وجمع عبد المطلب من جواهرهم وذهبهم الجور، وكان سبب يساره. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سئل عن الطير فقال : حمام مكة منها. وقيل : جاءت عشية ثم صبحتهم. وعن عكرمة : من أصابته جدّرته وهو أوّل جدرى ظهر. وقرىء :( ألم تر ) بسكون الراء للجد في إظهار أثر الجازم : والمعنى : أنك رأيت أثار فعل الله بالحبشة، وسمعت الأخبار به متواترة، فقامت لك مقام المشاهدة. و ) كَيْفَ ( في موضع نصب بفعل ربك، لا بألم تر ؛ لما في ) كَيْفَ ( من معنى الاستفهام ) فِى تَضْلِيلٍ ( في تضييع وإبطال. يقال : ضلل كيده، إذا جعله ضالاً ضائعاً. ومنه قوله تعالى :) وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَالٍ ( ( غافر : ٢٥ ) وقيل : لامريء القيس : الملك الضليل ؛ لأنه ضلل ملك أبيه، أي : ضيعه، يعني : أنهم كادوا البيت أوّلاً ببناء القليس، وأرادوا أن ينسخوا أمره بصرف وجوه الحاج إليه، فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيه ؛ وكادوه ثانياً بإرادة هدمه، فضلل بإرسال الطير عليهم ) أَبَابِيلَ ( حزائق، الواحدة : إبالة. وفي أمثالهم : ضغث على إبالة، وهي : الحزمة الكبيرة، شبهت الحزقة من الطير في تضامّها بالإبالة. وقيل : أبابيل مثل عباديد، وشماطيط لا واحد لها، وقرأ أبو حنيفة رحمه الله :( يرميهم ) أي : الله تعالى أو الطير، لأنه اسم جمع مذكر ؛ وإنما يؤنث على المعنى. وسجيل : كأنه علم لديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار، كما أن سجيناً علم الديوان أعمالهم، كأنه قيل : بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدوّن، واشتقاقه من الإسجال وهو الإرسال ؛ لأنّ العذاب موصوف بذلك، وأرسل عليهم طيراً، فأرسلنا عليهم الطوفان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : من طين مطبوخ كما يطبخ الآجر. وقيل : هو معرب من سنككل. وقيل : من شديد عذابه ؛ ورووا بيت ابن معقل :
ضَرْباً تَوَاصَتْ بِهِ الأَبْطَالُ سِجِّيلاَ


الصفحة التالية
Icon