٣٩٠
الطاعات وأحدها شعيرة ومعناه لا تستحلوا شيئا من ترك المناسك كلها مما أمر الله تعالى من أمر الحج وهو السعي بين الصفا والمروة والخروج إلى عرفات ورومي الجمار والطواف واستلام الحجر وغير ذلك وذلك أن الأنصار كانوا لا يسعون بين الصفا والمروة وكان أهل مكة لا يخرجون إلى عرفات وكان أهل اليمن يرجعون من عرفات فأمر الله تعالى في هذه السورة بأن لا يتركوا شيئا من أمور المناسك
ثم قال " ولا الشهر الحرام " يعني لا تستحلوا القتل في الشهر الحرام " ولا الهدي ولا القلائد " يقول لا تتعرضوا له ولا تستحلوه وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا خرجوا إلى مكة وكانوا إذا قلدوا الهدي أمنوا بذلك ومن يكن له هدي جعل في عنق راحلته قلادة ومن لم يكن معه راحله جعل في عنقه قلادة من شعر أو وبر فيأمن بذلك فإذا رجع من مكة جعل شيئا من لحاء شجر مكة في عنق راحلته فيأمن بذلك ليعرف انه كان حاجا فأمرهم الله تعالى بأن لا يستحلوا ذلك يعني من فعل ذلك لا يتعرض له
ثم قال " ولا آمين " يقول ولا تستحلوا قاصدين " البيت الحرام " نزلت في شريح بن ضبيعة بن شرحبيل اليماني دخل على النبي ﷺ وكلمه فلما خرج من عنده مر بسرح لأهل المدنية فساقها وانتهى إلى اليمامة ثم خرج من هناك نحو مكة ومعه تجارة عظيمة فهم أصحاب رسول الله ﷺ بأن يخرجوا إليه ويغيروا على أمواله فنزل " ولا آمين البيت الحرام " " يبتغون فضلا من ربهم " يعني الربح في المال " ورضوانا " يعني يطلبون بحجهم راضون ربهم فلا يرضى عنهم حتى يؤمنوا ثم نسخ بقوله " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " سورة التوبة ٥ ولم ينسخ قوله " لا تحلوا شعائر الله " ولكنها محكمة فوجب إتمام أمور المناسك ولهذا قال أصحابنا إن الرجل إذا دخل في الحج ثم أفسده فعليه أن يأتي بجميع أفعال الحج ولا يجوز أن يترك شيئا منها ثم عليه القضاء في السنة الثانية ونسخ قوله " ولا الشهر الحرام " فيجوز القتال في الشهر الحرام بقوله " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " ( سورة التوبة ٥ ) ولم ينسخ قوله " لا تحلوا شعائر الله " ولكنها محكمة فوجب إتمام أمور المناسك ولهذا قال أصحابنا إن الرجل إذا دخل في الحج ثم افسده فعليه أن يأتي بجميع افعال الحج ولا يجوز أن يترك شيئا منها ثم عليه القضاء في السنة الثانية ونسخ قوله " ولا الشهر الحرام " فيجوز القتال في الشهر الحرام بقوله " وقتلوا المشركين كافة " سورة التوبة ٣٦ وقوله تعالى " ولا الهدي ولا القلائد " فهو محكم أيضا ولم ينسخ فكل من قلد الهدي وتوجه إلى مكة ونوى الإحرام صار محرما ولا يجوز له أن يحل بدليل هذه الآية فهذه الأحكام معطوفة بعضها على بعض بعضها
منسوخة وبعضها محكمة فإن قيل قد قال " يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا " فأخبر أنهم يطلبون رضوا ن ربهم ولم يذكر أن طلبهم كان باطلا قيل له لأنه لم يذكر في لفظ الآية أمر الكفار وإنما بين النهي عن التعرض للذين يقصدون البيت فإن كان الذي قصد كافرا فقد بين في آية أخرى أنه لم يقبل منه وإن لم يذكرها هاهنا وهو قوله " ومن يكفر بالإيمن فقد حبط عمله " سورة المائدة ٥
وقال تعالى " وإذا حللتم فاصطادوا " يعني إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا إن شئتم فهذه رخصة بلفظ الأمر كقوله " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض " سورة الجمعة ١٠