٥٠٨
ثم قال " ثمانية أزواج " يعني ثمانية أفراد يقال لكل فرد معه آخر زوج أي يقول خلقت لكم ثمانية أصناف ويقال كلوا مما رزقكم الله ثمانية أزواج نزلت الآية في مالك بن عوف وأصحابه حيث قالوا " ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا " ففي هذه الآية دليل إثبات المناظرة في العلم لأن الله تعالى أمر النبي ﷺ بأن يناظرهم ويبين فساد قولهم وفيها إثبات القول بالنظر والقياس وفيها دليل أن القياس إذا ورد عليه النص بطل القول به ويروى إذا ورد عليه النقض لأن الله تعالى أمرهم أن يثبتوا بالمقايسة الصحيحة وأمرهم بطرد علتهم وأمرهم بأن يبينوا وجه الحرمة إن كان سبب الحرمة الأنوثة أو الذكورة أو اشتمال الرحم فإن كان سبب الحرمة الأنوثة ينبغي أن تكون كل أنثى حراما لوجود العلة وإن كان سبب الحرمة الذكورة ينبغي أن يكون كل ذكر حراما لوجود العلة وإن كان محرما لاشتمال الرحم وقد حرم الأولاد كلها ووجبت حرمتها جميعا لوجود العلة فيها فبين انتقاض علتهم وفساد قولهم وذلك قوله " ثمانية أزواج " يعني ثمانية أصناف " من الضأن اثنين " يعني الذكر والأنثى " ومن المعز اثنين " يعني الذكر والأنثى " قل الذكرين حرم أم الأنثيين " يعني قل لهم من أين جاء هذا التحريم من قبل الذكرين حرم أم من قبل الأنثيين " أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين " يعني أم من قبل اشتمال الرحم لا يشتمل إلا على الذكر والأنثى
" نبئوني بعلم " يعني أخبروني بسبب التحريم " إن كنتم صادقين " أن الله حرم ما تقولون " ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل الذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين " يعني أين جاء هذا التحريم
ثم قال تعالى " أم كنتم شهداء " يعني إذا لم تقدروا على إثبات تحريم ذلك بالعقل فهل لكم كتاب يشهد على تحريم هذا فذلك قوله " أم كنتم شهداء " " إذ وصاكم الله بهذا " يعني أمركم بذلك التحريم فسكت مالك بن عوف وتحير فقال له النبي ﷺ ما لك لا تتكلم فقال بل تكلم أنت فأسمع قال الله عز وجل " فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا " بغير حجة وبيان " ليضل الناس بغير علم " يعني ليصرف الناس عن حكم الله تعالى بالجهل " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " يعني لا يرشدهم إلى الحجة ويقال لا يوفقهم إلى الهدى مجازاة لكفرهم قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر " ومن المعز " بنصب العين وقرأ الباقون بالجزم ومعناهما واحد
سورة الأنعام ١٤٥