٦٤
بالبعوضة لأن خلقة البعوضة أعجب خلقة لأن خلقتها تشبه خلقة الفيل قيل إن البعوضة ما دامت جائعة عاشت فإذا شبعت ماتت فكذلك إذا الادمي استغنى فإنه يطغى فضرب الله المثل للآدمي
ثم قال تعالى " فأما الدين آمنوا " يعني صدقوا وأقروا بتوحيد الله تعالى " فيعلمون أنه الحق من ربهم " يعني المثل بالذباب والعنكبوت فيؤمنون به " وأما الذين كفروا " يعني اليهود والمشركين " فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا " بذكر البعوضة والذباب
قال الله تعالى " يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا " يعني إنما ضرب المثل ليضل به كثيرا من الناس يعني يخذلهم ولا يوفقهم للهدى " ويهدي به كثيرا " يعني يوفق به على معرفة ذلك المثل كثيرا من الناس وهم المؤمنون وقال بعضهم معناه " يضل به كثيرا " يعني يسميه ضالا كما يقال فسقت فلانا يعني سميته فاسقا لأن الله تعالى لا يضل أحدا وهذا طريق المعتزلة وهو خلاف جميع أقاويل المفسرين وهو غير محتمل في اللغة أيضا يقال ضلله إذا سماه ضالا ولا يقال أضله إذا سماه ضالا ولكن معناه ما ذكره المفسرون أنه يخذل به كثيرا من الناس مجازاة لكفرهم
قوله تعالى " وما يضل به إلا الفاسقين " يعني وما يهلك وأصل الضلالة الهلاك يقال ضل الماء في اللبن إذا صار مستهلكا وما يهلك وما يخذل به يعني بالمثل إلا الفاسقين يعني العاصين وأصل الفسق في اللغة هو الخروج من الطاعة والعرب تقول فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها ويقال للفأرة فويسقة لأنها تخرج من الحجر وقال الله تعالى " ففسق عن أمر ربه " الكهف ٥٠ يعني خرج عن طاعة ربه
سورة البقرة آية ٢٧
ثم نعت الفاسقين فقال عز وجل " الذين ينقضون عهد الله " يعني يتركون أمر الله ووصيته " من بعد ميثاقه " يعني من بعد تغليظه وتوكيده وذلك أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام في التوراة بأن يأمر قومه فيقروا بمحمد ﷺ ويصدقوه إذ خرج وكان موسى عليه السلام عاهدهم على ذلك فلما خرج رسول الله ﷺ نقضوا العهد وكذبوه ولم يصدقوه ويقال إنما أراد به العهد الذي أخذه من بني آدم من ظهورهم حيث قال " ألست بربكم قالوا بلى " الأعراف ١٧٢ يقال إنه أراد به العهد فنقضوا ذلك العهد والميثاق وهم يقرون فإن قال قائل فكيف يجوز هذا واليهود كانوا مقرين بالله تعالى فكيف يكون نقض العهد وهم مقرون قيل له إذا لم يصدقوا بمحمد ﷺ فقد أشركوا بالله لأنهم لم يصدقوا بأن القرآن من عند الله ومن


الصفحة التالية
Icon