٢٨٠
قوله عز وجل " وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه " قرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر " نسقيكم " بنصب النون وقرأ الباقون بضم النون ومعناهما واحد يقال سقيته وأسقيته بمعنى واحد " مما في بطونه " ولم يقل مما في بطونها والأنعام جماعة مؤنثة وفي هذا قولان إن شئت رددت إلى واحد من الأنعام وواحدها نعم والنعم تذكر وتؤنث كقوله " وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار " [ البقرة : ٧٤ ] أي من الحجر وإن شئت قلت على تأويل آخر " نسقيكم مما في بطونه " أي بطون ما ذكرنا وهذا مثل قوله " جنات معروشات وغير معروشات " إلى آخره [ الأنعام : ١٤١ ] وقال " إنما الخمر والميسر " إلى آخره [ المائدة : ٩٠ ] ولم يقل فاجتنبوها أي فاجتنبوا ما ذكرنا
ثم قال تعالى " من بين فرث ودم " يعني يخرج اللبن من بين الفرث والدم قال ابن عباس في رواية أبي صالح إن الدابة تأكل العلف فإذا إستقر في كرشها طحنه الكبد فكان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما والكبد مسلط على هذه الأصناف الثلاثة فيقسم الدم فيجري في العروق ويجري اللبن في الضرع ويبقى الفرث كما هو في الكرش وقال بعضهم إذا استقر العلف في الكرش صار دما بحرارة الكبد ثم ينصرف الدم في العروق فمقدار ما ينتهي إلى الضرع صار لبنا لبرودة الضرع بدليل أن الضرع إذا كانت فيه آفة يخرج منه الدم مكان اللبن " لبنا خالصا " صار اللبن نصبا على معنى التفسير " سائغا للشاربين " أي سهلا في الشرب لا يغص به شاربه ويقال ليشتهي شاربه
ثم قال تعالى " ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا " أي من الثمرات سكرا ويقال " منه " كناية عن الأول وهو قوله " ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون " من ذلك " سكرا " والسكر هو نقيع التمر إذا غلى واشتد قبل أن يطبخ ويقال يعني خمرا قال ابن عباس نزلت هذه الآية وهي يومئذ لهم حلال وهكذا قال الحسن والقتبي إن هذه الآية نزلت في الخمر " ورزقا حسنا " يعني الخل والزبيب والرب وروي عن ابن عباس أنه قال " تتخذون منه سكرا " يعني ما حرم منه " ورزقا حسنا " ما أحل منه وقال الشعبي السكر هو النبيذ والخل والرزق الحسن التمر والزبيب وقال الضحاك السكر الحرام والرزق الحسن الحلال وهؤلاء كلهم قالوا كان هذا قبل تحريم الخمر وقال الأخفش " سكرا " طعاما يقال هذا سكر لك أي طعام لك وقال القتبي لست أدري هذا
ثم قال " إن في ذلك لآية " أي لعبرة " لقوم يعقلون " توحيد الله تعالى
سورة النحل ٦٨ - ٦٩