٢٨١
قوله عز وجل " وأوحى ربك إلى النحل " أي ألهمها إلهاما مثل قوله " بأن ربك أوحى لها " [ الزلزلة : ٥ ] " أن إتخذي من الجبال بيوتا " أي مسكنا " ومن الشجر " يعني أن اتخذي من الجبال ومن الشجر مسكنا " ومما يعرشون " قرأ إبن عامر وعاصم في رواية أبي بكر " يعرشون " بضم الراء والباقون بالكسر ومعناهما واحد أي ومما يبنون من سقوف البيت مسكنا " ثم كلي من كل الثمرات " أي من ألوان الثمرات أي ألهمها بأكل الثمرات " فاسلكي سبل ربك ذللا " أي ادخلي الطريق الذي يسهل عليك ويقال خذي طرق ربك مذللا أي مسخرا لك وقال مقاتل " فاسلكي سبل ربك " يعني أدخلي طرق ربك في الجبال وفي خلال الشجر " ذللا " لأن الله تعالى ذلل لها طرقها حيثما توجهت " يخرج من بطونها " أي من بطون النحل من قبل أفواهها مثل اللعاب " شراب " أي العسل " مختلف ألوانه " أي العسل أبيض وأصفر وأحمر ويقال يخرج من أفواه الشبان من النحل الأبيض ومن الكهول الأصفر ومن الشيوخ الأحمر " فيه " أي في العسل " شفاء للناس " روى أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال إن أخي استطلق بطنه فقال له اسقه عسلا فسقاه ثم جاء فقال سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال له إسقه عسلا فسقاه ثم جاءه فقال سقيته فلم يزده إلا إستطلاقا فقال له اسقه عسلا صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه فبرىء
قال الفقيه أبو الليث إنما يكون العسل شفاء إذا عرف الإنسان مقداره ويعرف لأي داء هو فإذا لم يعرف مقداره ولم يعرف موضعه فربما يكون فيه ضرر كما أن الله تعالى جعل الماء حياة كل شيء وربما يكون الماء سببا للهلاك وقال السدي العسل شفاء الأوجاع التي يكون شفاؤها فيه وقال مجاهد " فيه شفاء للناس " أي في القرآن بيان للناس من الضلالة وروى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال العسل شفاء من كل داء والقرآن شفاء لما في الصدور وروى الأسود عن ابن مسعود أنه قال عليكم بالشفاءين القرآن والعسل " إن في ذلك لآية " أي فيما ذكر من أمر النحل لعلامة لوحدانيتي " لقوم يتفكرون " يعني أن معبودهم لم يغنهم من شيء
سورة النحل ٧٠ - ٧١
ثم قال عز وجل " والله خلقكم ثم يتوفاكم " أي يقبض أرواحكم " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر " أي إلى أسفل العمر وهو الهرم " لكي لا يعلم بعد علم شيئا " أي صار بحال لا يعلم ما علم من قبل ويقال لكيلا يعقل من بعد عقله الأول شيئا ويقال إن الهرم أسوأ