٢٩٦
قوله عز وجل " وعلى الذين هادوا " يقول مالوا عن الإسلام وهم اليهود " حرمنا ما قصصنا عليك من قبل " أي في القرآن من قبل هذه السورة في سورة الأنعام " وما ظلمناهم " بتحريم ما حرمنا عليهم " ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " بكفرهم فحرمنا عليهم الأشياء عقوبة لهم " ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة " أي عملوا المعصية بجهالة وروي عن إبن عباس أنه قال كل سوء يعمله العبد فهو فيه جاهل وإن كان يعلم أن ركوبه سيئة " ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا " أي العمل " إن ربك من بعدها " أي من بعد السيئة ويقال من بعد التوبة " لغفور " لذنوبهم " رحيم " بهم
سورة النحل ١٢٠ - ١٢٣
قوله تعالى " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله " أي إماما يقتدى به " قانتا " أي مطيعا لربه وروى عامر بن مسروق أنه قال ذكر عند عبد الله بن مسعود معاذ بن جبل فقال عبد الله بن مسعود كان معاذ بن جبل أمة قانتا فقال رجل وما الأمة قال الذي يعلم الناس الخير والقانت الذي يطيع الله ورسوله وقال القتبي إنما سماه " أمة " لأنه كان سبب الإجتماع وقد يجوز أنه سماه أمة لأنه إجتمع عنده خصال الخير ويقال إنما سماه " أمة " لأنه آمن وحده حين لم يكن مؤمن غيره وهذا كما روي عن رسول الله ﷺ أنه قال يجيء زيد بن عمرو بن نفيل يوم القيامة أمة وحده وقد كان أسلم قبل خروج النبي ﷺ حين لم يكن بمكة مؤمن غيره وتابعه ورقه بن نوفل وعاش ورقة بن نوفل إلى وقت خروج النبي ﷺ حتى أنزل عليه الوحي
ثم قال " حنيفا مسلما " أي مستقيما مائلا عن الأديان كلها " ولم يك من المشركين " أي مع المشركين على دينهم وأصله ولم يكن فحذفت النون لكثرة إستعمال هذا الحرف " شاكرا لأنعمه " يقول بما أنعم الله عليه " إجتباه " أي إصطفاه واختاره للنبوة " وهداه إلى صراط مستقيم " أي إلى دين قائم وهو الإسلام " وآتيناه في الدنيا حسنة " يقول أكرمناه بالثناء الحسن ويقال بالنبوة ويقال بالولد الطيب " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " يعني مع الأنبياء في الجنة
قوله " ثم أوحينا إليك " أي بعده هذه الكرامة التي أعطيناها إبراهيم أمرناك " أن إتبع ملة إبراهيم " أي إستقم على دين إبراهيم " حنيفا وما كان من المشركين " على دينهم
سورة النحل ١٢٤ - ١٢٦
قوله عز وجل " إنما جعل السبت على الذين إختلفوا فيه " يقول إنما أمروا في السبت بالقعود عن العمل " على الذين إختلفوا فيه " أي في يوم الجمعة وذلك أن موسى عليه السلام أمرهم أن يتفرغوا لله تعالى في كل سبعة أيام يوما واحدا فيعبدوه ولا يعملوا فيه شيئا من أمر الدنيا وستة أيام لصناعتهم ومعايشهم ويتفرغوا في يوم الجمعة
فأبوا أن يقبلوا ذلك اليوم وقالوا إنما نختار السبت اليوم الذي فرغ الله فيه من أمر الخلق فجعل ذلك عليهم وشدد عليهم ثم جاءهم عيسى بالجمعة فاختاروا يوم الأحد وقال مجاهد " إنما جعل السبت على الذين إختلفوا فيه " أي في السبت إتبعوه وتركوا الجمعة وروى همام عن أبي هريرة أنه قال قال النبي ﷺ نحن الآخرون السابقون يوم القيامة وأوتيناه من بعدهم يوم الجمعة فهذا يومهم الذي إختلفوا فيه فهدانا الله له فهم لنا فيه تبع واليهود غدا والنصارى بعد غد
ثم قال " وإن ربك ليحكم بينهم " أي يقضي بينهم " يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " من الدين فبين لهم الحق معاينة
ثم قال عز وجل " أدع إلى سبيل ربك " أي إلى دين ربك وإلى طاعة ربك " بالحكمة " أي بالنبوة والقرآن " والموعظة الحسنة " أي عظهم بالقرآن " وجادلهم بالتي هي أحسن " أي حاججهم وناظرهم بالحجة والبيان ويقال باللين وفي الآية دليل أن المناظرة والمجادلة في العلم جائزة إذا قصد بها إظهار الحق وهذا مثل قوله " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " [ العنكبوت : ٤٦ ] وقوله " فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا " [ الكهف : ٢٢ ]
ثم قال " إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله " أي عن دينة " وهو أعلم بالمهتدين " لدينه
قوله عز وجل " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به " قال إبن عباس وذلك حين قتل المشركون حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله ﷺ يوم أحد ومثلوا به فقال النبي ﷺ لئن أمكننا الله لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات فنزل " وإن عاقبتم فعاقبوا مثل ما عوقبتم به " الآية وقال محمد بن كعب القرظي لما رأى رسول الله ﷺ حمزة بالحال التي هو بها حين


الصفحة التالية
Icon