١١٠
ثم قال عز وجل " تنزيل العزيز الرحيم " قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في إحدى الروايتين " تنزيل " بضم اللام ومعناه هذا القرآن تنزيل أو هو تنزيل العزيز الرحيم وقرأ الباقون " تنزيل " بالنصب ومعناه نزله تنزيلا فصار نصبا بالمصدر
" لتنذر " يعني لتخوف بالقرآن " قوما ما أنذر آباؤهم " يعني لم ينذر آباؤهم ولم يرسل إليهم رسولا منهم " فهم غافلون " عن ذلك ويقال " لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم " يعني كما أنذر آباؤهم الأولون " فهم غافلون " عن ذلك يعني عما أنذر آباؤهم
ثم قال عز وجل " لقد حق القول " أي وجب القول بالعذاب " على أكثرهم " أي على الكفار
ويقال " لقد حق القول " وهو قوله " لأملأن جهنم " [ الأعراف ١٨ ] ويقال " القول " كناية عن العذاب أي وجب عليهم العذاب " فهم لا يؤمنون " يعني لا يصدقون بالقرآن
" إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا " قال مقاتل وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى النبي ﷺ ليدمغنه بحجر فأتاه وهو يصلي فرفع الحجر ليدمغه فيبست يده إلى عنقه والتزق الحجر بيده ورجع إلى أصحابه فخلصوا الحجر من يده
ورجل آخر من بني المغيرة أتاه ليقتله فطمس الله على بصره فلم ير النبي ﷺ وسمع قوله فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فذلك قوله " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا " " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا " وذكر في رواية الكلبي نحو هذا
وقال بعضهم " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا " أي جعلنا أيديهم ممسكة عن الخيرات مجازاة لكفرهم
" وجعلنا من بين أيديهم سدا " أي حائلا لا يهتدون إلى الإسلام ولا يبصرون الهدى وقال بعضهم " إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا " يعني أيديهم
ولم يذكر في الآية اليد وفيها دليل لأن الغل لا يكون إلا باليد إلى العنق فلما ذكر العنق فكأنما ذكر اليد
وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قرآ " إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا "
وقرأ بعضهم " في أيديهم "
وكل ذلك يرجع إلى معنى واحد لأنه لا يجوز أن يكون الغل بأحدهما دون الآخر كقوله " سرابيل تقيكم الحر " [ النحل ٨١ ] ولم يذكر البرد لأن في الكلام دليلا عليه
ثم قال " فهي إلى الأذقان " أي تلك الأغلال إلى الأذقان " فهم مقمحون " أي الحنك الأيسر " مقمحون " أي رافع الرأس إلى السماء غاض الطرف لا يبصر موضع قدميه وقال قتادة أي مغلولين من كل خير
ثم قال عز وجل " وجعلنا من بين أيديهم سدا " أي ظلمة " ومن خلفهم سدا " أي ظلمة " فأغشيناهم " بالظلمة " فهم لا يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم "
يعني خوفتهم اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التوبيخ " أم لم تنذرهم لا يؤمنون " يعني سواء خوفتهم أم لم تخوفهم " فهم لا
يؤمنون " يعني لا يصدقون
وإنما نزلت الآية في شأن الذين ماتوا على


الصفحة التالية
Icon