٢٩٩
قوله تعالى " سيقول لك المخلفون من الأعراب " وهم أسلم وأشجع وغفار
وذلك أن النبي ﷺ حين خرج إلى مكة عام الحديبية فاستتبعهم وكانت منازلهم بين مكة والمدينة فقالوا فيما بينهم نذهب معه إلى قوم جاؤوه فقتلوا أصحابه فقاتلهم فاعتلوا عليه بالشغل حتى رجع فأخبر الله تعالى رسوله قبل ذلك أنه إذا رجع إليهم استقبلوه بالعذر وهم كاذبون فقال " سيقول لك المخلفون من الأعراب " يعني الذين تخلفوا عن بيعة الحديبية " شغلتنا أموالنا وأهلونا " يعني خفنا عليهم الضيعة ولو لا ذلك لخرجنا معك
" فاستغفر لنا " في التخلف
" يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم " يعني من طلب الاستغفار وهم لا يبالون استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم
" قل " يا محمد " فمن يملك لكم من الله شيئا " يعني من يقدر أن يمنع عنكم من عذابه شيئا " إن أراد بكم ضرا " يعني قتلا وهزيمة " أو أراد بكم نفعا " يعني النصرة
قرأ حمزة والكسائي " ضرا " بضم الضاد وهو سوء الحال والمرض وما أشبه ذلك
والباقون بالنصب وهو ضد النفع
اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التقرير يعني لا يقدر أحد على دفع الضر ومنع النفع غير الله
ثم استأنف الكلام فقال " بل كان الله بما تعملون خبيرا " يعني عالما بتخلفكم ومرادكم
سورة الفتح ١٢ - ١٤
قوله عز وجل " بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون " يعني بل منعكم من السير معه لأنكم ظننتم " أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون " من الحديبية " إلى أهليهم " بالمدينة " أبدا وزين ذلك في قلوبكم " يعني وحسن التخلف في قلوبكم " وظننتم ظن السوء " يعني حسبتم ظن القبيح " وكنتم قوما بورا " يعني هلكى
وروي عن ابن عباس أنه قال البور في لغة أزد وعمان الشيء الفاسد والبور في كلام العرب لا شيء
يعني أعمالهم بورا أي مبطلة
قوله عز وجل ( ومن لم يؤمن بالله ورسوله ) يعني من لم يصدق بالله في السر كما صدقه في العلانية " فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا " يعني هيأنا لهم عذاب السعير
قوله تعالى " ولله ملك السموات والأرض " يعني خزائن السموان والأرض
ويقال ونفاذ الأمر في السموات والأرض " يغفر لمن يشاء " وهو فضل منه " ويعذب من يشاء " على الذنب الصغير وهو عدل منه " وكان الله غفورا " لذنوبهم " رحيما " بهم