٣٦٠
" آلاء الله " ونعماء الله واحد إلا أن الآلاء أعم والنعماء أخص
ويقال الآلاء النعمة الظاهرة وهو التوحيد والنعماء النعمة الباطنة وهو المعرفة بالقلب كقوله " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة " [ لقمان ٢٠ ] وقال بعضهم الآلاء إيصال النعم والنعماء دفع البلايا
ومثاله أن رجلا لو كانت له يد شلاء فله الآلاء وليست النعماء
وكذلك لسان الأخرس ورجل مقعد فله الآلاء وليست له النعماء
وأكثر المفسرين لم يفصلوا بينهما وقد ذكر في هذه السورة دفع البلية وإيصال النعمة
فكل ذلك سماه الآلاء
وروى محمد بن المنذر عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قرأ على أصحابه سورة الرحمن فسكت القوم فقال النبي ﷺ ( الجن كانوا أحسن ردا منكم ما قرأت عليهم " فبأي آلاء ربكما تكذبان " إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد )
وفي رواية أخرى أنه قال ( ما قرأت عليهم إلا قالوا ولا بواحدة منها فلك الحمد )
ثم قال " خلق الإنسان " يعني آدم " من صلصال " يعني الطين اليابس الذي يتصلصل أي يصوت من يبسه كما يصوت الفخار
ويقال الصلصال الطين الجيد الذي ذهب عنه الماء وتشقق
" كالفخار " يعني الطين الذي يصنع به الفخار
وقال في موضع آخر " خلقناكم من تراب " [ الحج ٥ ] وقال في موضع آخر " من طين " [ السجدة ٧ ] وقال في موضع آخر " من صلصال " فهذا كله قد كان حالا بعد حال
ثم قال " وخلق الجان " يعني أبا الجن ويقال هو إبليس " من مارج من نار " يعني من لهب من نار وليس لها دخان
وقال بعضهم خلق من نار جهنم
وقال بعضهم من النار التي بين الكلة الرقيقة وبين السماء ومنها يكون البرق ولا ترى السماء إلا من وراء تلك الكلة
ثم قال " فبأي آلاء ربكما تكذبان " يعني خلقكم أيها الإنس من نفس واحدة وخلقكم أيها الجن من نفس واحدة فكيف تنكرون هذه النعمة أنها ليست من الله تعالى
ثم قال " رب المشرقين ورب المغربين " يعني هو " رب المشرقين " مشرق الشمس ومشرق القمر
وقيل مشرق الشتاء ومشرق الصيف " ورب المغربين " يعني مغرب الشتاء والصيف
" فبأي آلاء ربكما تكذبان " يعني فبأي نعمة أنتم من نعم الله أيها الجن والإنس تتجاحدان ومعناه أنتم حيث ما كنتم من مشارق الأرض ومغاربها في ملك الله تعالى وتأكلون رزقه وهو عالم حيث ما كنتم وهو حافظكم وناصركم فكيف تنكرون هذه النعم
سورة الرحمن ١٩ - ٢٣


الصفحة التالية
Icon