٣٨٩
سورة الحديد ٢٦ - ٢٧
ثم قال عز وجل " ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم " يعني بعثناهما إلى قومهما " وجعلنا في ذريتهما " يعني في نسليهما " النبوة والكتاب " وكان فيهم الأنبياء مثل موسى وهارون وداود ويونس وسليمان وصالح ونوح وإبراهيم عليهم السلام " فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون " يعني كثير من ذريتهم تاركون للكتاب
قوله عز وجل " ثم قفينا على آثارهم " يعني وصلنا وأتبعنا على آثارهم " برسلنا " يعني واحدا بعد واحد " وقفينا بعيسى ابن مريم " يعني وأرسلنا على آثارهم بعيسى ابن مريم " وآتيناه الإنجيل " يعني أعطينا عيسى الإنجيل " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه " يعني الذين آمنوا به وصدقوه واتبعوا دينه " رأفة ورحمة " يعني المودة والمتوادين بعضهم بعضا
ويقال الرأفة على أهل دينهم يرحم بعضهم بعضا وهم الذين كانوا على دين عيسى لم يتهودوا ولم يتنصروا
ثم استأنف الكلام فقال " ورهبانية ابتدعوها " يعني ابتدعوا رهبانية " ما كتبناها عليهم " يعني لم تكتب عليهم الرهبانية " إلا ابتغاء رضوان الله " وذلك أنه لما كثر المشركون خرج المسلمون منهم فهربوا واعتزلوا في الغيران وابتغوا الصوامع فطال عليهم الأمد ورجع بعضهم عن دين عيسى ابن مريم وابتدعوا النصرانية
قال الله تعالى " ابتدعوها " يعني الرهبانية والخروج إلى الصوامع يعني باعدوا التبتل للعبادة " ما كتبناها عليهم " يعني ما أوجبنا عليهم ولم نأمرهم إلا ابتغاء رضوان الله يعني أمرناهم بما يرضي الله تعالى لا غير ذلك
ويقال " ابتدعوها " لطلب رضى الله تعالى " فما رعوها حق رعايتها " يعني لم يحافظوا على ما أوجبوا على أنفسهم
ويقال فما أطاعوا الله حين تهودوا وتنصروا
قال الله تعالى " فآتينا الذين آمنوا منهم " يعني أعطينا الذين ثبتوا على ما أوجبوا على أنفسهم وثبتوا على الإيمان " أجرهم " في الآخرة " وكثير منهم فاسقون " يعني عاصين
وهم الذين تهودوا
وفي هذه الآية دليل وتنبيه للمؤمنين أن من أوجب على نفسه شيئا لم يكن واجبا عليه أن يتبعه ولا يتركه فيستحق اسم الفسق
وروي عن بعض الصحابة أنه قال عليكم بإتمام هذه التراويح لأنها لم تكن واجبة عليكم فقد أوجبتموها على أنفسكم فإنكم إن تركتموها صرتم فاسقين ثم قرأ هذه الآية " وكثير منهم فاسقون "


الصفحة التالية
Icon