٨١
قرضت النهر حتى سال علهم الماء وجرى في بساتينهم وفي بيوتهم فخربها وندت أنعامهم وأخذ كل واحد منهم بيد ولده وامرأته فصعدوا بهم الجبل فذلك قوله تعالى " وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط " يعني أبدلهم الله تعالى مكان الفاكهة ذواتي أكل خمط أي الأراك " وأثل " يعني الطرفاء " وشيء من سدر قليل " والسدر كانوا يستظلون في ظله ويأكلون من ثمره
قرأ أبو عمرو " أكل خمط " بكسر اللام بغير تنوين وقرأ الباقون بالتنوين فمن قرأ بالتنوين أراد " ذواتي " ثمر يؤكل ثم قال " خمط " جعله بدلا من أكل
والمعنى ذواتي خمط وأكله ثمرة
ومن قرأ بغير تنوين أضاف الأكل إلى الخمط والخمط هو الأراك في اللغة المعروفة
وقال بعضهم كل نبت أخذ طعما من مرارة حتى لا مكن أكله فهو خمط
ثم قال " ذلك جزيناهم " يعني ذلك الذي أصابهم عقوبة لهم عاقبناهم " بما كفروا " أي بكفرهم " وهل نجازي إلا الكفور " يعني وهل يعاقب بمثل هذه العقوبة إلا الكفور بنعمة الله تعالى ويقال " الكفور " الكافر
قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص " وهل نجازي " بالنون وكسر الزاي " إلا الكفور " بالنصب
وقرأ الباقون " يجازي " بالياء وفتح الزاي " إلا الكفور " بالضم
فمن قرأ بالنون فهو على معنى الإضافة إلى نفسه والكفور نصب لوقوع الفعل عليه
ومن قرأ " يجازى " بالياء فهو على فعل ما لم يسم فاعله يعني هل يعاقب بمثل هذه العقوبة إلى الكفور بنعمة الله تعالى ويقال هل يجازي الله ومعنى الآية أن المؤمن يكفر عنه السيئات بالحسنات وأما الكافر فإنه يحبط عمله كله فيجازى بكل سوء يعمله كما قال " أضل أعمالهم " [ محمد ١ ] أي أبطل أعمالهم وأحبطها فلم ينفعهم منها شيء وهذا معنى قوله " وهل يجازي إلا الكفور "
سورة سبأ ١٨ - ٢١
ثم قال عز وجل " وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها " قال في رواية الكلبي إنهم قالوا للرسل إنا قد عرفنا نعمة الله علنيا فوالله لئن رد الله فيئتنا وجماعتنا والذي كنا عليه لنعبدنه عبادة لم يعبدها إياه قوم قط
ودعت لهم الرسل ربهم فرد الله لهم ما كانوا عليه وأتاهم نعمه وجعل لهم من أرضهم إلى أرض الشام قرى متصلة بعضها إلى بعض فذلك


الصفحة التالية
Icon